تشافيز، الزعيم البوليفاري الثائر

بقلم: محمد مصطفى حسين خضر
2014-01-31 10:49:30

Pinterest
Telegram
Linkedin
WhatsApp

هوغو رفائيل تشافيز فرياس (سابانيتا، 28 تموز/يوليو 1954 - كاراكاس، 5 آذار/مارس 2013). رئيس جمهورية فنزويلا البوليفارية في الفترة من عام 1999 حتى وفاته. كان يعتنق الأفكار الاشتراكية والتكاملية العميقة الموروثة عن فكر سيمون بوليفار وفرانسيسكو دي ميراندا التي جعلت منه زعيماً بلا منازع للثورة البوليفارية.

إن الشعور الشعبي الواسع لصالح تغييرات جوهرية في إدارة شؤون الدولة قد جرى التعبير عنه في السادس من كانون الأول/ديسمبر، من عام 1998، وذلك حينما اختار 56٫24 في المئة من الناخبين هوغو تشافيز فرياس رئيساً دستورياً لجمهورية فنزويلا السابقة. ورأى محللون وطنيون ودوليون بارزون، أن ذلك الحدث هو أحد أهم الإنجازات في التاريخ السياسي المعاصر للبلاد. مع اﻹنتخابات التي جرت في الثلاثين من تموز/يوليو، من عام 2000، بلور هوغو تشافيز فرياس المشروع السياسي التأسيسي وتمت إعادة إنتخابه رئيساً لجمهورية فنزويلا البوليفارية مع 59٫5 في المئة من أصوات الشعب الفنزويلي.

أثناء الانتخابات الرئاسية التي جرت في الثالث من كانون الأول/ديسمبر، من عام 2006 أعيد انتخابه رئيساً بتفوق كبير، حيث حصل على أكثر من سبعة ملايين صوت (62٫84 في المئة) مقارنة مع 36٫90 في المئة نالها مرشح المعارضة مانويل روساليس الذي اعترف بالنتيجة في نفس تلك الليلة. وفي الآونة الأخيرة، في تشرين اﻷول/أكتوبر من عام 2012، ألحق الهزيمة بحاكم ولاية ميراندا، إنريكي كابريليس، حيث حصل على 55 في المئة من الأصوات.

توفي زعيم الثورة البوليفارية هوغو تشافيز في الخامس من آذار/مارس من عام 2013 في المستشفى العسكري في فنزويلا بسبب مرض السرطان الذي ألم به في عام 2011. وكان الشعب قد تلقى نبأ وفاته مع صدمة كبيرة، في حين تلقت الحكومة وأسرته رسائل التعزية من جميع أنحاء العالم.
 

المحتوى
 

1 حياته

 

1.1 طفولته ودراساته
1.2 المهنة العسكرية

1.3 التمرد العسكري في الرابع من شباط/فبراير

1.4 حركة الجمهورية الخامسة

1.5 رئيس فنزويلا

1.5.1 الحكومة الأولى

1.5.1.1 الجمعية التأسيسية

1.5.2 الحكومة الثانية

1.5.2.1 زعزعة اﻹستقرار واﻹنقلاب

1.5.2.2 اﻹستفتاء الرئاسي 2004

1.5.2.3 قفزة إلى الأمام نحو إشتراكية القرن الحادي والعشرين

1.5.2.4 اﻹنتخابات الرئاسية 2006

1.5.3 الحكومة الثالثة

1.5.4 اﻹنتخابات الرئاسية 2012

1.5.5 الرؤية الدولية

1.5.5.1 العلاقات مع كوبا

1.5.5.2 مروج التكامل الأمريكي اللاتيني

1.5.5.3 العلاقات مع أفريقيا

1.5.5.4 العلاقات مع العالم العربي

1.5.6 الوعكة الصحية

1.5.6.1 العملية الجراحية 2012

1.6 وفاته

2 حياته الشخصية

3 شهادات التقدير والجوائز

3.1 اﻷوسمة

3.2 شهادات الدكتوراه الفخرية

4 أعماله

حياته

طفولته ودراساته

ولد في سابانيتا (ولاية باريناس، فنزويلا)، في الثامن والعشرين من تموز/يوليو، من عام1954. هو الثاني بين ستة أطفال لأسرة مكونة من مدرسين في مرحلة التعليم اﻹبتدائي وهما هوغو دي لوس رييس تشافيز وإيلينا فرياس. نشأ بتواضع في بلدة صغيرة في السهل الفنزويلي، وفي سن مبكرة، أخذه والداه إلى جدته ﻷبيه، روزا تشافيز إينيس، لتعمل على تربيته. وفي فترة شبابه أضحى من هواة لعبة البيسبول، وكان يساعد القسيس في الكنيسة، وميالاً للرسم والكتابة الإبداعية والموسيقى والمسرح.

وقد أجرى دراسات المرحلة اﻹبتدائية في المجمع المدرسي خوليان بينو (1966) وفي وقت لاحق درس المرحلة الثانوية في ثانوية دانيال فلورينتينو أولياري في باريناس، حيث حاز على شهادة الثانوية العامة في فرع العلوم في عام 1971، وأثناء الفترة الدراسية التي قضاها في ذلك المركز التعليمي، شارك في بطولة البيسبول والسوفتبول مع فريق "كرييويتوس دي فنزويلا" (1969).

بعد ثلاثة أسابيع من حيازته على شهادة الثانوية العامة دخل الأكاديمية العسكرية الفنزويلية التابعة للجيش الوطني الفنزويلي، حيث تخرج وحصل على درجة البكالوريوس في العلوم والفنون العسكرية، في إختصاص الهندسة بالقوات البرية، وتخرج برتبة ملازم، في الخامس من تموز/يوليو، من عام 1975. وفي نفس العام أجرى دورة في الاتصالات، بكلية الاتصالات والإلكترونيات التابعة للقوات المسلحة، واحتل المرتبة الثالثة بين 25 طالباً.
 

المهنة العسكرية
 

تميز تشافيز بالحصول على أعلى الدرجات في مختلف الدورات التي أجراها داخل القوات المسلحة. وفي وقت لاحق، في عام 1977 تمت ترقيته إلى ملازم أول وأجرى دورة في الآليات المدرعة في عام 1979، حيث احتل المرتبة الأولى بين جميع الطلاب. وفي عام 1982 تمت ترقيته إلى رتبة نقيب، وأجرى بعد ذلك دورة متقدمة في الآليات المدرعة في عام 1983، حيث احتل مجدداً المرتبة الأولى بين جميع الطلاب. وقد أصبح فيما بعد أستاذاً في الأكاديمية العسكرية.

وقد تولى مناصب مختلفة في القوات المسلحة الوطنية منها: قائد فصيلة الاتصالات، التابعة لكتيبة القناصين في سيدينيو وباريناس وكومانا، ما بين عامي 1975 و1977. قائد فصيلة دبابات أ أم إكس-30 ، التابعة لكتيبة المدرعات "برافوس دي أبوري"، في ماراكاي بين عامي 1978 و1979. قائد سرية ورئيس قسم التربية البدنية في الأكاديمية العسكرية الفنزويلية، ما بين عامي 1980 و1981. وفي عام 1982 كان أيضاً رئيس قسم الثقافة في الأكاديمية نفسها.

في عام 1982 (سنة الذكرى المئوية الثانية لميلاد المحرر) أنشأ الجيش البوليفاري- 200 من خلال القسم الرمزي لثلاثة نقباء من فوج سيمون بوليفار وهم خيسوس اوردانيتا هيرنانديز وفيليبي أكوستا كارليس وهوغو تشافيز فرياس تحت شجرة السامان دي غويري، رمز الجذور الثلاثة للثورة: "البوليفارية" و"الروبنسونية" و"الزامورية". في عام 1989، تحول الجيش البوليفاري-200 إلى الحركة البوليفارية-200.

القائد المؤسس لسرية خوسيه أنطونيو بائيز والدورة العسكرية والأكاديمية العسكرية الفنزويلية، ما بين عامي 1983-1984. قائد كتيبة الخيالة فرانسيسكو فارفان، في آلورزا أبوري، ما بين عامي 1985 و1986. القائد المؤسس للنواة المدنية-العسكرية للتنمية الحدودية بين أراوكا وميتا، ما بين عامي 1986 و1988. القائد المساعد للمجلس الوطني للأمن والدفاع، في القصر الأبيض، القريب من ميرافلوريس، ما بين عامي 1988 و1989. ضابط الشؤون المدنية، بكتيبة القناصين، في ماتورين، في عام 1990.

شارك في دورة الحروب السياسية الدولية التي جرت في غواتيمالا في عام 1988. وقد تابع بعد ذلك تحصيله العلمي للحصول على درجة الماجستير في العلوم السياسية في جامعة سيمون بوليفار في الفترة الواقعة ما بين عامي 1989 و 1990، إلا أنه لم يتمكن من إنهاء أطروحة التخرج. ثم واصل مسيرته العسكرية الرائعة في القوات المسلحة ليترقى إلى رتبة مقدم في عام 1990. وأخيراً، أجرى دورة في القيادة والأركان في المدرسة العليا التابعة للجيش بين عامي 1991 و 1992، وأثناء تلك الفترة أضحى أيضاً قائداً لكتيبة المظليين العقيد أنطونيو نيكولاس بريسينيو، بثكنة بائيز، في ماراكاي.

تمرد عسكري في الرابع من شباط/فبراير

في الرابع من شباط/فبراير، من عام 1992، كان نحو ألفين و 357 جندياً شاباً بقيادة تشافيز، الذي كان ضابطاً برتبة مقدم، قد تمردوا ضد حزمة الإجراءات الاقتصادية النيوليبرالية لصندوق النقد الدولي التي شرع في تنفيذها الرئيس الفنزويلي في ذلك الحين، كارلوس أندريس بيريز. وكان المشاركون ينتمون إلى 10 طوابير من الحاميات العسكرية في ولايات أراغوا وكارابوبو وميراندا وزوليا وديستريتو كابيتال. وكان العديد من أعضاء المجموعة يشكلون جزءاً من الحركة البوليفارية الثورية-200، التي كانت تستند إيديولوجيتها السياسية إلى فكر سيمون بوليفار.

وقد تمكن فرانسيسكو أرياس كارديناس في ماراكايبو من الاستيلاء على مقر الحكومة الإقليمية واعتقال حاكم زوليا، أوزوالدو ألفاريز باز. أما في كراكاس، فقد إتخذ تشافيز من مقر المتحف التاريخي العسكري، الكائن في لا بلانيسي، على مقربة من قصر ميرافلوريس، مركزاً لعملياته، في حين كانت قواته تستولي على المحطة الحكومية للتلفزيون الفنزويلي. وكانت مجموعة أخرى تواجه الحرس الوطني في لا كاسونا، والبعض الآخر حاول إحتلال قصر ميرافلوريس.

إن المحاولة الرامية إلى الإطاحة بحكومة بيريز وتوجيه الحياة في البلد نحو طريق العدالة الاجتماعية قد باءت بالفشل، وزُج بجميع المشاركين في هذا العمل بالسجن.

وقد أُلغيت القضية فيما بعد وأطلق سراح الجنود بعد ذلك بعامين، خلال فترة رئاسة رفائيل كالديرا.

وبعد أن ألقي القبض عليه في نفس اليوم الذي جرى فيه التمرد، كان تشافيز قد أعرب عن شكره "للجنود الشجعان" من فوج المظليين في أراغوا ولواء المدرعات في فالنسيا لبسالتهم في العملية.

"للأسف، إن الأهداف التي وضعناها لم تتحقق في العاصمة "حتى الآن" (...) ونحن، هنا في كراكاس، لم نتمكن من تحقيق السيطرة على السلطة. أنتم هناك قمتم بذلك على نحو جيد للغاية، ولكن حان وقت التأمل وستأتي تطورات جديدة وعلى البلد أن يتجه نهائياً نحو مصير أفضل".

هوغو تشافيز،4 شباط/فبراير 1992.

وقد تمت معرفة عدد القتلى في الخامس من شباط/فبراير. ووفقا للأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع، فقد بلغ عدد القتلى 14 وعدد الجرحى 53، إلا أن تقديرات غير رسمية أكدت أن عدد القتلى بلغ 50 وأصيب أكثر من 100.

واستسلم المقاتلون في فالنسيا وماراكاي، فيما نقل تشافيز سجيناً إلى ثكنة سان كارلوس الواقعة على الشمال من كراكاس. وفي اليوم التالي للتمرد، كان رافائيل كالديرا الرئيس السابق وعضو البرلمان وزعيم الحزب الاجتماعي المسيحي، قد ألقى كلمة أمام الكونغرس هاجم فيها بيريز بشدة، مبرراً على نحو ما الانتفاضة العسكرية.

وبعد بضعة أيام، قررت الحكومة نقله إلى سجن يقع في سان فرانسيسكو دي ياري، بولاية ميراندا. في السابع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر من ذلك العام، ثارت مجموعة أخرى من الضباط، تابعة لسلاح الجو على وجه الخصوص، ضد الحكومة ولكن دون جدوى. كل هذه الأحداث أضعفت حكومة كارلوس أندريس بيريز. وقد بدأت محاكمة قضائية في الكونغرس توجت بإقالته من الرئاسة في العشرين من أيار/مايو من عام 1993، متهمة إياه بالفساد.

وبعد بضعة أشهر استقال كالديرا من الحزب الاجتماعي المسيحي، وأسس "كونفيرجينسيا" وأعلن ترشيحه للانتخابات الرئاسية في عام 1993، والتي فاز فيها، بينما كان تشافيز قد دعا من السجن إلى الامتناع عن التصويت.

حركة الجمهورية الخامسة

في عام 1994، أفرج الرئيس السابق رافائيل كالديرا عن قائد التمرد، وبرأه وعدد من رفاقه في النضال من القضية التي أدت بهم إلى السجن، وذلك نتيجة لمطالب الشعب الفنزويلي. خرج تشافيز من السجن في السادس والعشرين من آذار/ مارس من عام 1994، ومنذ ذلك الحين بدأ فصل جديد في تاريخ النضالات الشعبية الفنزويلية.

وقد خرج تشافيز من السجن، وهو المكان الذي خصص فيه وقته لدراسة وتأمل وتحليل الواقع الوطني والدولي، ليجول في جميع أنحاء الوطن ويحض على الأعمال التحررية والعادلة التي شاركت فيها قطاعات واسعة من السكان. ولتنفيذ برنامجه الشعبي في السلطة، أسس في ذلك الحين حركة الجمهورية الخامسة إلى جانب مجموعة مسلحة بارزة.

رئيس فنزويلا

الحكومة اﻷولى

تولى تشافيز رئاسة فنزويلا لأول مرة في كانون الثاني/يناير من عام 1999، بعد أن هزم في الانتخابات التي جرت في السادس من كانون اﻷول/ديسمبر من عام 1998، رجل الأعمال والخبير الاقتصادي إنريكي سالاس رومر، حاكم ولاية زوليا النفطية في ذلك الحين، والمرشح عن مشروع فنزويلا، وهو الحزب الذي أسسه هو نفسه.

وفي وقت متأخر كان سالاس رومر قد تلقى دعم حزب العمل الديمقراطي والحزب الاجتماعي المسيحي وهو اللجنة المستقلة للتنظيم السياسي الانتخابي، اللذين تقاسما السلطة في فنزويلا منذ سنوات الستين، غير أنه لم يحصل إلا على 2٫6 ملايين من الأصوات، أي ما يعادل 39٫97 في المئة.

من جانبه، كان تشافيز، الذي تلقى مساندة حركة الجمهورية الخامسة ودعم مختلف المنظمات التابعة للقطب الوطني، قد جرى إنتخابه ليحصل على ثلاثة ملايين و673 ألفاً و658 صوتاً، أي ما يعادل 56٫2 في المئة من الأصوات الصالحة. وكانت هذه النتيجة ثاني أعلى نسبة حققها مرشح للرئاسة خلال العقود الأربعة السابقة في فنزويلا، الأمر الذي أتاح للزعيم البوليفاري الفوز على الرئيس السابق، الإجتماعي المسيحي رافائيل كالديرا، الذي شغل المنصب مرتين من عام 1969 إلى عام 1974 ومن عام 1994 إلى عام 1999.

الجمعية التأسيسية

في شباط/فبراير من عام 1999، تولى تشافيز الرئاسة ووعد بإنشاء جمعية تأسيسية لصياغة دستور جديد يتوافق مع الوضع الفنزويلي، وقد حصل ذلك فعلاً ووضع منصبه بتصرف هذه الهيئة فوق الدستورية (كل ذلك جرى في جو ساده السلام والديمقراطية)، وفي آب/أغسطس من نفس العام أدى اليمين الدستورية مرة أخرى أمام الجمعية التأسيسية الوطنية بصفته رئيساً لجمهورية فنزويلا.

في الخامس عشر من كانون اﻷول/ديسمبر من العام نفسه (1999) قام الشعب الفنزويلي باستفتاء ليقرر ما إذا كان يوافق على الدستور البوليفاري الفنزويلي الجديد من خلال الاقتراع المباشر والشامل والسري. وقد أيدت هذا الاقتراح الأغلبية الساحقة وتم نشره في الجريدة الرسمية في الثلاثين من كانون اﻷول/ديسمبر من عام 1999. وبذلك جرت إعادة إنشاء مجتمع ديمقراطي وتشاركي وأساسي في المسار الثوري ومتعدد الأعراق والثقافات؛ ويتسم بدولة لامركزية تتمتع بالعدالة الفيدرالية التي تضمن الحق في الحياة والعمل والثقافة والتعليم والعدالة الاجتماعية والمساواة دون تمييز أو أي تبعية.

كان هذا الحدث قد جعل من هوغو تشافيز دافعاً لمرحلة تاريخية جديدة في الأمة البوليفارية، وبفضله، فقد تصدعت هياكل السلطة القديمة وانهارت واندثرت في نهاية المطاف، وفي ذلك الحين، ظهرت بين جميع شرائح المجتمع قوى وتيارات تغيير بديلة مليئة بالمطالب التي تبعث على الأمل والتحديات غير المسبوقة.

الحكومة الثانية

إن الدستور الجديد قد جعل المدة الرئاسية ست سنوات بدلاً من خمس حتى ذلك التاريخ، والتي تبدأ دائماً في العاشر من كانون الثاني/يناير من السنة التالية لانتخاب الرئيس. وعلى أساس المواد الجديدة التي يتضمنها الدستور، فقد جرت اﻹنتخابات العامة في الثلاثين من تموز/يوليو من عام 2000، والتي صوت فيها الشعب إلى جانب رئيس الدولة، لانتخاب حكام الولايات ورؤساء البلديات وأعضاء البرلمان. وبصفته قائماً بأعمال الرئيس، فقد قدم تشافيز ترشيحه من جديد لإعادة انتخابه في هذه الانتخابات، التي لم تحظَ بمرشحين من الحزبين التقليديين العمل الديمقراطي واللجنة المستقلة للتنظيم السياسي الانتخابي.

وكان الخصم الرئيسي للرئيس تشافيز فرانسيسكو أرياس كارديناس، الذي كان رفيقه في السلاح وصديقه الشخصي، والذي شارك في التمرد العسكري الذي تزعمه تشافيز في عام 1992، غير أنه كان مبتعداً عن الرئيس في ذلك الحين. وأثناء حملته الانتخابية، أعلن أرياس كارديناس نفسه على أنه مرشح توافقي لجميع قطاعات المجتمع وصرح أن الثورة البوليفارية قد انحرفت عن مسارها.

ومع ذلك، فإن إعادة انتخاب تشافيز قد تمت خلال العملية اﻹنتخابية ليحصل على ثلاثة ملايين و757 ألفاً 773 صوتاً، أي ما يعادل 59٫76 في المئة من الأصوات، في حين حصل أرياس كارديناس على أكثر بقليل من 2٫3 ملايين صوت أي ما يعادل 37٫52 في المئة من مجموع الأصوات.

وبعد سنوات، تم التوفيق بين أرياس كارديناس وتشافيز ويشغل اﻷول حالياً منصب نائب رئيس الحزب الاشتراكي الموحد الفنزويلي في ولايتي فالكون وزوليا، وقد ترشح لمنصب حاكم زوليا في الانتخابات الإقليمية التي جرت في كانون اﻷول/ديسمبر من العام المنصرم.

في التاسع عشر من آب/ أغسطس من عام 2000 أدى تشافيز اليمين الدستورية رئيساً للبلاد مرة أخرى أمام الجمعية الوطنية الفنزويلية الجديدة للفترة الواقعة ما بين عامي 2000 و2006، وهكذا أصبح الرئيس الفنزويلي الأخير في القرن العشرين والأول في الألفية الجديدة.

وإعتباراً من عام 2000، بدأت الجمهورية الخامسة، حيث يجري سلمياً السعي إلى تحويل الأسس التقليدية للدولة إلى نموذج جديد وثوري، يرتكز على إقرار الدستور الجديد والجمعية الوطنية وغيرهما.

وقد جرى تفعيل مجموعتين رئيسيتين من القوانين التي سنّها الرئيس هوغو تشافيز بين عامي 1999 و2001. من ضمنها القوانين الضريبية، وإزالة بعض الهيئات الحكومية، وتحديث الإجراءات الإدارية والعلاقات بين الدولة والقطاع الخاص.

خلال عام 2001 عمل الرئيس تشافيز أيضاً على إنشاء نظام للتمويل الأصغر، فضلاً عن القوانين التي تحكم اﻷنشطة اﻹنتاجية للقطاع الخاص. كذلك، تم إصلاح القانون المتعلق بالنفط وإنشاء بنك التنمية الاقتصادية والاجتماعية في فنزويلا. وبالتالي فإنه قد استؤنفت الصناعة النفطية كشركة تابعة للأمة. وعلاوة على ذلك، فقد تم تصميم وثيقة الخطوط العامة للمخطط الخاص بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية للفترة ما بين عامي 2001 و2007 والذي يقوم على التفاعل بين المحاور الخمسة للتوازن: الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والإقليمي والدولي. وهكذا، أصبحت فنزويلا البلد الأول في القارة الذي تمكن من بناء برنامج استراتيجي اقتصادي اجتماعي خارج وصفات الهيئات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الخاصة بأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

زعزعة الاستقرار والانقلاب

تميز عام 2002 بالإنقلاب الذي وقع في الحادي عشر من نيسان/أبريل والذي أدى إليه ما يسمى الإضراب عن العمل الذي نظمه اتحاد الغرف والجمعيات التجارية والإنتاجية في فنزويلا (فيديكاماراس) والإتحاد العمالي الفنزويلي، والأحزاب السياسية اليمينية والقطاعات العسكرية المناوئة لتحول المجتمع.

إن التخطيط للمخطط الانقلابي ووضعه حيز التنفيذ قد حظي بموافقة ودعم الحكومة الأميركية في ظل إدارة بوش. وكان يرمي أساساً لمنع تنفيذ القوانين التي تم سنها والقضاء على تكيف الدولة والمجتمع الفنزويلي مع أوقات الثورة الاشتراكية.

وقد أدى تفعيل برنامج المعارضة الوطنية إلى جانب شبكات الدعم الدولي لهذا اﻹنقلاب، إلى أحداث كارثية في يومي الحادي عشر والثاني عشر من نيسان/أبريل، حيث كانت القطاعات اليمينية التي استخدمت قوة وسائل الإعلام، قد وضعت كميناً ﻷنصارها أنفسهم قادهم إلى سيناريو الصراع. وأسفر استخدام القناصين وعناصر الشرطة الذين هاجموا مؤيدي الحكومة والمعارضة دون تمييز عن سقوط العشرات من القتلى والجرحى، الأمر الذي اتخذه العسكريون الخونة مبرراً لإعلان العصيان ضد الديمقراطية ومؤسسات الشعب.

وبما أن الشعب قد أشاد بناضلات الحكومة البوليفارية وتبناها، فقد خرج إلى الشارع منذ البداية دعماً لحكومة الرئيس تشافيز، وكان الملايين من الفنزويليين قد استخدموا الحقيقة وقوة الوحدة الشعبية للمطالبة بالإفراج عن الرئيس الشرعي الوطني.

ولحسن الحظ، وكما حدث في الماضي فإن القوات المسلحة تمثل الشعب ذا الزي الموحد، وكان العسكريون الذين يحظون بضمير حي والذين يرثون التقاليد البوليفارية قد قرروا الوقوف إلى جانب الأغلبية، وبدأت الحاميات العسكرية الواحدة تلو الأخرى بالتمرد على حكومة الأمر الواقع التي كان يترأسها بيدرو كارمونا واﻹستجابة إلى صرخة الشعب وإجراء عملية إنقاذ الكرامة، التي إنتهت بعودة تشافيز، من جزيرة أورشيلا، حيث كان من المقرر أن يتم طرده من البلاد.
وقد رافق الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز إلى قصر ميرافلوريس أعضاء أوفاء من القوات المسلحة بعد محاولة اﻹنقلاب الفاشلة والإطاحة بحكومة كارمونا.

إن الحدث الذي وقع في الثالث عشر من نيسان/أبريل قد حدد إلى الأبد، إحدى نقاط القوة الرئيسية للحكومة البوليفارية وهي الوحدة المدنية العسكرية، التي تم التعبير عنها في عام 2002 وظلت في حالة تأهب أمام محاولات الرأسمالية الهائلة والبرجوازية الوطنية الرامية إلى إزالة التجربة الناجحة للاشتراكية البوليفارية.

وأثناء تقييم أحداث اﻹنقلاب، كان الشعب المؤيد لعملية التغيير الاجتماعي قد استحضر المثل التالي: "كل 11 يأتي بعده 13" (في إشارة إلى اﻹنقلاب الذي وقع في الحادي عشر وعودة تشافيز في الثالث عشر).

وفي وقت لاحق، دعا الرئيس تشافيز إلى إجراء حوار بناء في البلاد. وقد أعرب عن إعتذاره للأخطاء التي ارتكبها، وذلك كإجراء فريد من نوعه. ومع ذلك، فإن الرغبات السياسية للجماعات المعارضة قد جاءت لتؤكد مجدداً على خروج رئيس الدولة من السلطة بالقوة وتعزيز الانقلاب النفطي. ويتعين على تشافيز مجدداً أن يواجه ظروفاً صعبة، وذلك لأن معظم مسؤولي القطاع النفطي كانوا يلحقون بالشعب أضراراً جسيمة من خلال عرقلة تطوير الصناعة، اﻷمر الذي تم وصفه بأنه فعل خيانة.

في عام 2003، إتخذ الرئيس هوغو تشافيز فرياس، إلى جانب الشعب والقوى العسكرية، حزمة من القرارات في سبيل التصدي لهجوم الثورة المضادة الداخلية والقوى الغربية. وعلى الرغم من العمليات التخريبية التي استهدفت قطاع النفط في عام 2003، فإن شركة النفط الفنزويلية قد زادت أرباحها بنسبة 1٫5 مليار دولار، محدثة إدخاراً بلغت قيمته 3.100 مليون دولار. وفي أعقاب اﻹنقلاب الذي وقع في الحادي عشر من نيسان/أبريل من عام 2002، والعمليات التخريبية التي استهدفت القطاع النفطي في كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه، كانت الحكومة التي يترأسها هوغو تشافيز فرياس قد أطلقت حملة دولية لإبلاغ العالم عن حقيقة الوضع السياسي والاقتصادي في فنزويلا، محققة بذلك توضيح بعض المعلومات الخاطئة أو المضللة التي أربكت العديد من الزعماء والشعوب من مناطق أخرى. إلى ذلك، تمكنت السياسة الخارجية الفنزويلية من التوسع عبر توقيع اتفاقات ثنائية تتعلق بمجالات الطاقة والصناعة الزراعية والتجارة والصناعة، والتي كانت تروج لها السياسة الحكومية للرئيس.

اﻹستفتاء الرئاسي 2004

خلال الفترة المتبقية من عام 2003، واصلت المعارضة مسيراتها وأعمال الشغب والقرع على الطناجر التي كانت تروج لهم المنسقية الديمقراطية وقنوات التلفزيون وفيديكاماراس الراعية لهذه الأعمال ورجال الأعمال التابعون لها، فضلاً عن نقابة سي تي في والكنيسة الكاثوليكية، وذلك لإجبار تشافيز على اﻹستقالة.

وفي نهاية المطاف، كانت المعارضة، المنضوية تحت راية ائتلاف ما يسمى المنسقية الديمقراطية، قد قبلت خيار الاستفتاء، المشار إليه في الدستور البوليفاري لعام1999، وذلك أمام عدم القدرة على الإطاحة بالرئيس عبر أعمال العنف.

وبعد العديد من المناقشات والانتقادات المتبادلة، تمكنت المعارضة في أيار/مايو من عام 2004، من جمع مليونين و436 ألفاً و830 توقيعاً، وهو الحد الأدنى المنصوص عليه في الدستور كشرط لإجراء استفتاء، دعا إليه المجلس الوطني اﻹنتخابي في الخامس عشر من آب/أغسطس من ذلك العام.

وقد شارك في الاستفتاء، الذي أطلقت عليه المعارضة تسمية "إلغائي" ووصفه مناصرو تشافيز بأنه "إعادة تأكيد"، أكثر من 14 مليون ناخب وجرى فرز 9 ملايين و789 ألفاً و637 من الأصوات الصحيحة.

ولم تتمكن المعارضة هذه المرة أيضاً من إسقاط الرئيس بواسطة العملية اﻹنتخابية، ذلك أن 5 ملايين و800 ألف و629 فنزويلياً قد صوتوا ضد إقالة الرئيس، أي ما يعادل 59٫10 في المئة من المجموع العام للأصوات، في حين صوت لصالح إقالة الرئيس3 ملايين و989 ألفاً وثمانية فنزويليين أي ما يعادل 40٫64 في المئة من الأصوات.

قفزة إلى الأمام نحو إشتراكية القرن الحادي والعشرين

كان عام 2005 قد تميز بقفزة نحو بناء اشتراكية القرن الحادي والعشرين، حيث أن الإدارة الحكومية للرئيس هوغو تشافيز قد تمكنت من توسيع المهام الاجتماعية وتعميق تأثيرها. وساهمت هذه البرامج الضخمة في ولادة مؤسسات جديدة ورؤية اجتماعية جديدة تقوم عليها العملية الثورية، ذلك أنها تكون الهياكل الناشئة التي تؤدي إلى تغيير مؤسسي حيث تخطى العديد من المنظمات النطاقات الحصرية للمنافسة في سبيل تحقيق هدف مشترك.

كذلك، ومن أجل كسر الأنماط التقليدية للاقتصاد العالمي، مكنت إدارة الرئيس هوغو تشافيز جمهورية فنزويلا البوليفارية من الشروع في السير في الطريق على نحو مستقل عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهما الهيئتان المروجتان للسياسات النيوليبيرالية التي تنتهجها الإمبراطورية.

وفي هذا السياق، أضحى اﻹقتراح الذي طرحه وروج له رئيس الجمهورية حقيقة واقعة وهو تأسيس البديل البوليفاري الخاص بالأمريكيتين (ألبا)، لتعزيز الوحدة الحقيقية للشعوب لمواجهة الآثار المترتبة على معاهدة منطقة التجارة الحرة الخاصة بالأمريكتين.

وثمة مفهوم آخر قد مثل تقدماً رئيسياً في فنزويلا، وهو بداية عملية دخول سوق الجنوب المشتركة (ميركوسور) وتسريع التدابير التي سمحت بوصول معدل الناتج المحلي الإجمالي إلى 9٫4 في المئة خلال عام 2005، مسجلاً بذلك ثلاثة فصول متتالية من النمو الاقتصادي المستدام. وكذلك فقد إزداد إنتاج الحديد والألمنيوم والفولاذ، محطماً الرقم القياسي التاريخي، وإزداد الإنتاج الزراعي في مختلف الصناعات والتجارة والاستثمار الدولي، وغير ذلك. وبلغت نسبة التضخم 14٫4 في المئة في ذلك العام.

اﻹنتخابات الرئاسية 2006

عند انتهاء الفترة الدستورية من ست سنوات، دعت السلطة اﻹنتخابية إلى إجرء الانتخابات الرئاسية يوم الأحد الواقع في الثالث من كانون اﻷول/ ديسمبر من عام 2006. وإنطلاقاً من جميع حالات الفشل السابقة، خلّصت القطاعات المعارضة إلى القول إنه من المستحيل الفوز على تشافيز في الانتخابات إذا لم يكن هناك مرشح واحد، وقررت أن تختاره من بين جميع الذين يتطلعون إلى المنصب في الانتخابات التمهيدية التي تمت الدعوة ﻹجرائها في شهر آب/ أغسطس، ولكنها لم تجرِ في النهاية.

وقد تم إختيار مانويل روزاليس، حاكم ولاية زوليا والمرشح عن حزب "زمن جديد" (أون نويفو تييمبو) ليمثل كل القطاعات السياسية المعارضة في الانتخابات.

ومن بين سوابقه السياسية يبرز توقيعه باسم جميع الحكام لدعم مرسوم تعيين الانقلابي بيدرو كارمونا رئيساً للجمهورية في نيسان/أبريل من عام 2002، وهو عمل قال عنه في سنوات لاحقة إنه "لحظة من الارتباك" وإنه قام به "مع أفضل النوايا من أجل رفاهية البلاد".

كذلك إن الدعم الذي قدمته 44 منظمة سياسية معارضة لم يكن كافياً هذه المرة، وفي اليوم الذي جرت فيه اﻹنتخابات صوت لصالح مانويل روزاليس، أربعة ملايين و292 ألفاً و466 فنزويلياً، أي ما يعادل 36٫91 في المئة من الأصوات، في حين أعيد انتخاب تشافيز مرة أخرى، حيث صوت لصالحه سبعة ملايين و309 آلاف و80 ناخباً، أي ما يعادل 62٫85 في المئة من المجموع العام للأصوات.

وبعد سنوات، في نيسان/ أبريل من عام 2009، تم رسمياً إتهام روزاليس بالاختلاس خلال فترة توليه منصب حاكم زوليا، ولكن المحاكمة لم تحدث لأنه سافر إلى البيرو، حيث قدم طلباً للجوء السياسي ولا يزال يقيم هناك منذ ذلك الحين. أما عقيلته، إفيلينغ تريخو، فهي تشغل حالياً منصب رئيسة بلدية ماراكايبو، عاصمة تلك الولاية الفنزويلية الغنية.

الحكومة الثالثة

إن عام 2006 قد جلب معه فرصة للتأكيد على الشرعية الديمقراطية، وأهمية وتمديد مشروع سيمون بوليفار 2000 على حد سواء من خلال المشاركة الشعبية.

بهذا الشكل، وبهدف تعزيز السيادة الاقتصادية الفنزويلية وتوجيه عائدات النفط نحو توطيد خطط الحكومة الاجتماعية، كانت شركة النفط الفنزويلية قد استثمرت في إطار مخطط "سييمبرا بيتروليرا" 5 آلاف و940 مليون دولار في البلاد، لتنفيذ مشروع "دلتا كاريبي" التابع للمجمع الصناعي "غران ماريسكال دي آياكوتشو" والبنية التحتية لخط أنابيب الغاز عبر المحيط (كولومبيا وباناما وفنزويلا)، ولتنفيذ المشروع الفرعي "ماغنا ريسيربا" الرامي إلى معالجة النفط في حزام اﻷورينوكو.

وقد طرح القائد الرئيس هوغو تشافيز، المقترح المتعلق بمراجعة وتأكيد وإعادة إطلاق برامج ومشاريع الحكومة البوليفارية، لصالح تعزيز المجتمع النموذجي الذي يغرس قيم العدالة الاجتماعية والتضامن الخاصة بالاشتراكية، وذلك من أجل تصحيح المشاكل المؤسفة التي حصلت داخل الإدارة العامة والمنظمات السياسية خلال عملية توطيد الاشتراكية البوليفارية.

كذلك، كانت السلطة التنفيذية الوطنية قد شرحت معنى "مراجعة وتأكيد وإعادة إطلاق برامج ومشاريع الحكومة البوليفارية" وأوضحت: أن "المراجعة هي إعادة رؤية كل شيء، بدءاً من الحكومة وخاصة هوغو تشافيز فرياس". "ينبغي أن تتضمن المراجعة ليس فقط التمارين النظرية وإنما كذلك ينبغي أن تتضمن تصحيح الأفكار واستئناف تنفيذ المشاريع المتمثلة بالقوة الأخلاقية، وعملية التغيير في جميع المجالات.

ورأى الرئيس تشافيز أيضاً أن "عملية مراجعة وتأكيد وإعادة إطلاق برامج ومشاريع الحكومة البوليفارية ينبغي أن يتم تطبيقها في المجال اﻹجتماعي والأخلاقي وداخل الحكومات المحلية والإقليمية وفي السياسة الدولية، والإجراءات البيروقراطية لدينا".

وخلال بث برنامج "ألو سيادة الرئيس" وهو أول برنامج يجري بثه في السنة قدّم تشافيز فريق العمل الجديد، ودعا القطاعات التي تسانده والقطاعات المناوئة له إلى العمل معاً، وعلى وجه الخصوص فقد دعا الطبقة الوسطى التي ينتمي إليها على ما يبدو معظم الأشخاص الذين لا يؤيدونه للانضمام إلى الثورة، وكان دائماً يُنظر إلى هذا القطاع كجزء من الأوليغارشية الفنزويلية، وكذلك دعا صغار ومتوسطي رجال الأعمال بمن فيهم كبار المنتجين الذين ينظرون إليه دائماً كعدو لهم، حتى أنه دعا البرجوازية الوطنية للعمل من أجل البلاد.

كذلك، وكنموذج لتطبيق التغييرات في الطريقة التي يتم فيها إنتهاج السياسة، فإن المرشحين لمنصب حاكم ورئيس بلدية خلال اﻹنتخابات التي جرت في عام 2008، لم يتم اختيارهم عبر توجيه الأصابع إليهم وإنما إختارتهم المجتمعات، وكان تشافيز قد دفع القطب الوطني إلى خوض المعركة اﻹنتخابية، ودعا إلى محاربة الفساد الإداري وانعدام الأمن، من جانب آخر، أعلن إنعقاد مؤتمر الحزب الاشتراكي الموحد الفنزويلي في الثاني عشر من كانون الثاني/يناير، وذلك كهيكل سياسي طليعي في العملية السياسية التي تشهدها البلاد، كما أصدر قانون العفو الذي قضى بالإفراج عن أولئك الذين شاركوا في اﻹنقلاب الذي وقع في الحادي عشر من نيسان/ أبريل من عام 2002، وغيره من أعمال العنف ضد الحكومة والمجتمع الفنزويلي.

وبفضل عملية "مراجعة وتأكيد وإعادة إطلاق برامج ومشاريع الحكومة البوليفارية"، فإن تحالف القوى التقدمية قد تمكن من إحكام السيطرة السياسية على معظم الولايات والبلديات على الصعيد الوطني، وذلك خلال الانتخابات الإقليمية التي جرت في عام 2008.

وفي إطار الاحتفال الذي أقيم بمناسبة مرور عشرة أعوام على تنصيب القائد هوغو تشافيز رئيساً للجمهورية ظهر هذا الخطاب الذي يمثل التقرير الخاص بإدارة الحكومة البوليفارية في عام 2008. إن الرئيس هوغو تشافيز يقوم سنوياً بعرض هذا التقرير على السلطة التشريعية، ويكشف عن أهم إنجازات إدارة حكومته. ومع ذلك، ففي هذه المناسبة، جرى عرض البيان الرئاسي في لحظة تاريخية خاصة: العقد الأول من الدستور البوليفاري الذي وافق عليه الشعب في عام 1999 ومرور عشرين عاماً على الثورة إنطلاقاً من ضربة كراكاس(الكاراكاسو) في عام 1989.

وتعود اﻹنجازات الثورية التي يتطرق إليها الرئيس في خطابه أساساً إلى عام 2008، ولكن يتم فهمها في هذا السياق وإدراجها في المعنى الذي اتخذته المسيرة الوطنية، مع الدستور ومشروع سيمون بوليفار الوطني، والمخطط اﻹشتراكي اﻷول للامة.

وفي خطابه، لم يضع الرئيس تشافيز هذه الإنجازات في المخطط الملموس فقط وإنما كذلك وضعها في أرقام حتمية: جامعات جديدة وأنظمة ري ونمو الاقتصاد ومزيد من الأراضي المزروعة وزيادة مؤشر التنمية البشرية واﻷمل في الحياة، والحد من الفقر وعدم المساواة بشكل كبير، "وفقاً لمقياس جيني"؛ العدد الهائل للمهام الاجتماعية، التي أصبحت جوهر سياسة الحكومة الثورية، وغيرهم.

ويعبّر تشافيز أيضا عن الأفكار التي تدعم وتتيح تحقيق هذه الإنجازات الرامية إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من السعادة. ويتعلق اﻷمر بأفكار أساسية للفكر الثوري الذي يفهم السلطة، على سبيل المثال، ليس كغاية ولكن "كأداة لتطبيق العدالة وكذلك كأداة لإعادة توزيعها، وينبغي أن يتم يومياً نقل قدر أكبر من حصص السلطة السياسية إلى الشعب والأغلبية الساحقة والأمة". إن العلاقة واﻹحتكاك بين الأفكار والأرقام، (والتي هي أكثر من أرقام هي إنجازات مع وجوه وأسماء وآمال) يسمحان بمزيد من الفهم للمشروع البوليفاري.

كما يسمحان بالتفاؤل بشأن اتجاه فنزويلا. ويقدمان نظرة أوسع للسياق الذي ينشأ فيه اﻹقتراح التاريخي لتعديل دستوري يمنح الشعب سلطة إضافية: أمام حكومة جيدة، وإمكانية إعادة انتخاب الرئيس، مع الحفاظ على السلطة المتعلقة بإقالته أو إعادة انتخابه، في لحظته. ونظرا لأهميته، فإنه قد جرى نشر هذا الخطاب الذي -تضمن أيضاً الرسوم البيانية والجداول الإحصائية التي تكمله، في سبيل إثراء مناقشة المشروع البوليفاري ووعده لتوطيد الوطن الاشتراكي.

الانتخابات الرئاسية 2012

قدم تشافيز ترشيحه للانتخابات التي جرت في السابع من تشرين اﻷول/أكتوبر من عام 2012 لإعادة انتخابه مرة أخرى، وكان منافسه الرئيسي إنريكي كابريليس، من حزب بريميرو خوستيسيا، الذي تم إختياره مرشحاً وحيداً لمعظم القطاعات المعارضة المنضوية تحت راية ما يسمى طاولة الوحدة الديمقراطية في الانتخابات التمهيدية التي جرت في الثاني عشر من شباط/فبراير. وعلى الرغم من وجود خمسة مرشحين آخرين، فإن المنافسة كانت على أشدها بين الرئيس ومرشح طاولة الوحدة الديمقراطية، وهما المرشحان الوحيدان اللذان يحظيان بفرصة حقيقية لانتخابهما.

خلال تلك الانتخابات كان مستقبل الوطن على المحك، وفقاً لما أعلنه تشافيز في مناسبات عديدة، وخلص إلى القول: إن برنامج خصمه يرمي إلى القضاء على ما حققته الثورة البوليفارية منذ كانون الثاني/ يناير من عام 1999 وإعادة خصخصة الصناعات الرئيسية، وعلى وجه الخصوص الصناعة النفطية وتسليم البلاد إلى الشركات الأمريكية والأوروبية الكبرى.

إن شركات إستطلاع الرأي من كل اﻷلوان السياسية ومع مسار مهني بارز قد شرعت منذ أشهر في جس نبض الرأي العام الوطني وجميعها تتوافق مع توقع إعادة انتخاب الرئيس بفارق يتراوح بين 15 و 25 نقطة مئوية.

منذ منتصف العام، كان الزعيم البوليفاري يشدد خلال جميع النشاطات العامة لحملته اﻹنتخابية تقريباً، على ضرورة أن يذهب أعضاء فرقة حملته اﻹنتخابية من خلال عملهم المقنع إلى مدى أبعد من أنصار تشافيز المقتنعين ليتقربوا من الطبقة الوسطى والمترددين.

المفاهيم المدرجة في مقترح حكومة تشافيز

الدفاع عن أثمن شيء استعدناه بعد 200 سنة وتوسيعه وتوطيده: الاستقلال الوطني (…) إن أول هدف تاريخي عظيم للفترة المقبلة للحكومة البوليفارية والاشتراكية، سيكون الدفاع عن أثمن شيء حققناه والعمل على توطيده: الاستقلال السياسي؛ إعادة التأكيد على هويتنا الوطنية وإنتمائنا إلى القارة اﻷمريكية، فضلاً عن المضي قدماً نحو استقلالنا الاقتصادي الكامل، وذلك في الإطار الجيوسياسي الدولي الجريء.

ضمان اﻹستعمال السيادي للدخل القومي. اﻹستعمال السيادي للدخل القومي ينطوي على قدرة اﻹستحصال عليه واستخدامه في إطار اﻷهداف الاشتراكية واﻹنسانية والطبيعة. ينبغي أن يتم تصميم الدولة بحيث أن إدارة هذا الدخل القومي تعود بالفائدة على المجتمع الجديد.

وبما أن بلدنا منتج للنفط (الأمر الذي ينبغي أن ينعكس من خلال سياسة التحول إلى نموذج الإنتاج الاشتراكي)، فإن دخلنا الوطني يستند على تطوير صناعة النفط.

وفي هذا الصدد، فإنه من أجل ضمان هدف اﻹستعمال السيادي للإيرادات، فمن الضروري السيطرة على الصناعة النفطية، من خلال إنتهاج سياسة وطنية وشعبية وثورية. يجب أن تكون السياسة وطنية، لأن اﻷمر يتعلق بإدارة الموارد التي يملكها جميع الفنزويليين، الأمر الذي يتطلب منا أن نديرها لصالح الأمة بأسرها. ومن خلال إدارة مع رؤية وطنية يتم السعي إلى تحقيق السيطرة الكاملة على صناعة النفط في البلاد، وذلك بموجب دستور جمهورية فنزويلا البوليفارية، والذي، يعبر بشكل واضح جداً، عن أن الدولة هي صاحبة الموارد التي يحظى بها بلدنا، وذلك بصفتها ممثلة للمصالح الجماعية لجميع الفنزويليين، وفي هذه الحالة، الموارد الهيدروكربونية من النفط والغاز. وينبغي على هذه السياسة أن توحد البلاد للدفاع عن الثروات الرئيسية لدينا؛ وهي سياسة تتعلق بالتأكيد بجميع الفنزويليين، وينبغي أن لا تكون هناك خلافات بهذا الشأن.

من جانب آخر، يتعين أن تكون إدارة صناعة النفط شعبية، لأنه لا بد من توجيها نحو المصالح الشعبية وينبغي أن تشجع مشاركة الطبقة العاملة لتحقيق صلة أكبر مع الشعب. وفي سبيل تطويرها علينا أن نعتمد على سواعد الشعب.

ينبغي على الشعب أن يلعب دوراً رئيسياً في جميع مراحلها، ليس فقط من خلال تمثيل الدولة الفنزويلية، وإنما كذلك من خلال عمالها ومجتمعاتها المحلية.

تعزيز نشر البنية التحتية التعليمية للبلاد، في المراكز الجامعية والتقنية والعملية للتأهيل الخاص بالعمل التحريري، فضلاً عن اﻹرتباط المباشر للبنية التحتية للتدريب والتجدد بالمنطقة الصناعية، سواء أكان ذلك في وحدات الإنتاج أو في المجمعات الصناعية، التي أنشئت في استراتيجية انتقال النسيج الإنتاجي".

وبعد يوم تاريخي، جرى وفقاً للمجلس الانتخابي الوطني الفنزويلي، تحقيق نتيجة تاريخية في نسبة المشاركة مع80٫7 في المئة، حيث حصل المرشح لولاية أخرى هوغو تشافيز على سبعة ملايين و 963 ألفاً و61 صوتاً، أي ما يعادل 55،5 في المئة من اﻷصوات، وفاز على كابريليس رادونسكي (44٫4 في المئة – 6426286 صوتاً) بفارق عشر نقاط.

أما بالنسبة لباقي المرشحين فقد أتت النتيجة على النحو التالي: رينة سيكيرا حصلت على68210 أصوات (0٫47 في المئة)؛ لويس رييس حصل على 7946 صوتاً (0٫05 في المئة)؛ ماريا بوليفار حصلت على 7269 صوتاً (0٫05 في المئة)؛ أورلاندو شيرينو حصل على 3996 صوتاً (0٫0 في المئة).

الرؤية الدولية

منذ بداية فترة حكومته، كان تشافيز ينتهج سياسة خارجية نشطة جداً، اتسمت بالمشاركة في قمم وزيارات للعديد من بلدان العالم لا تعد ولا تحصى، بصفته مروجاً عظيماً للوحدة اﻷمريكية اللاتينية من خلال تعزيز اﻵليات التكاملية مثل إتحاد اﻷمم اﻷمريكية الجنوبية (أوناسور)، وسوق الجنوب المشتركة ( سيلاك). وكانت سياسات تشافيز الخارجية البعيدة عن تلك التي انتهجتها حكومات العمل الديمقراطي واللجنة المستقلة للتنظيم السياسي الانتخابي، قد ركزت على إقامة علاقات محترمة مع جميع الدول، على أساس إحترام الأيديولوجيات السياسية والمؤسسات والتعاون مع أكثر الأمم فقراً وإحتياجاً. وتقيم فنزويلا علاقات تجارية مع معظم دول العالم، وتعتبر الصين وروسيا والهند وبيلاروسيا والولايات المتحدة والمكسيك وكولومبيا وكوبا وغيرها من أعضاء سوق الجنوب المشتركة (الأرجنتين والبرازيل واﻷوروغواي والباراغواي) من شركائها التجاريين الرئيسيين.

العلاقات مع كوبا

بدأت العلاقة بين تشافيز وكوبا حتى قبل انتخابه رئيساً. وقد أدى تشافيز زيارته اﻷولى إلى كوبا في كانون الأول/ديسمبر من عام 1994، وفي ذلك الحين كان المقدم هوغو رافائيل تشافيز فرياس، وفي بادرة شجاعة، قد قبل الدعوة التي قدمها له من كوبا مؤرخ المدينة أوزيبيو ليال سبنغلر، وقد جاء إلى هافانا حاملاً معه الأحلام واﻹقتناعات، وعلى وجه الخصوص، الرغبة في بدء بناء صداقة متينة يصعب على أي مناورة سياسية القضاء عليها.

منذ أن وطأت قدماه مطار خوسيه مارتي الدولي، قال:
أنا لا أستحق هذا التكريم، أطمح إلى أن أستحقه يوماً ما في الأشهر والسنوات القادمة.

وخلال فترة ولايته من عام 1999 وحتى وفاته في عام 2013 كانت العلاقات بين فنزويلا وكوبا من أولويات حكومة تشافيز، الذي عزز العلاقات الثنائية من خلال توقيع العديد من الاتفاقيات والمعاهدات التي ساعدت على إنشاء جسر ثنائي بين البلدين.

المروج للتكامل الأمريكي اللاتيني

عزز تشافيز التكامل الأمريكي اللاتيني أكثر من أي رئيس فنزويلي آخر في السنوات الأخيرة، متجاوزاً مشاريع رؤساء آخرين مؤيدين لأمريكا اللاتينية. إن إنتهاجه لسياسات مثل بيع النفط بشروط تفضيلية في الدفع من خلال الآليات التكاملية مثل بتروكاريبي، ودفع برامج التعاون في الدول الفقيرة مثل هايتي، فضلاً عن تعزيز آليات التكامل مثل سيلاك وأوناسور، قد جعله واحداً من الزعماء السياسيين لأميركا اللاتينية.

"إلى متى سنكون حديقة خلفية، يتم إستغلالنا وسحقنا. نحن نضع هنا حجر أساس وحدة واستقلال وتنمية أمريكا الجنوبية. قد يكون التردد ضياعنا (...) أنا متأكد من انهم لن يتمكنوا من تضليلنا، وأنا متأكد من أن هناك مضللين محترفين يقضون طوال اليوم وهم يفكرون بطريقة تؤدي إلى نشوب حرب بيننا، إن حرباً بيننا لن تنشب ولن يكون هناك المزيد من الصراعات، وإنما ستسود بيننا اﻷخوة والسلام والتكامل والوحدة وفهم مشاكل كل بلد من بلداننا".

هوغو تشافيز

إفتتاح قمة سيلاك الأولى الأول، 2 ديسمبر، 2011.

كان تشافيز إلى جانب رئيسي البرازيل لويز ايناسيو لولا دا سيلفا والأرجنتين نيستور كيرشنر، قد حث على هزيمة منطقة التجارة الحرة للأمريكتين خلال القمة الخاصة بالأمريكتين التي عقدت في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2005 في مار ديل بلاتا، فضلاً عن أنه اتفق مع رؤساء الحكومات اليسارية رافائيل كوريا وإيفو موراليس وكريستينا فرنانديز وخوسيه موخيكا على إنشاء إتحاد دول أمريكا الجنوبية (أوناسور) لتحقيق وحدة أمريكا الجنوبية، وهو اﻷمر الذي كان يحلم به بوليفار وسوكري وسان مارتين.

في نيسان/أبريل من عام2011، كان تشافيز والرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس قد لعبا دور الوسيط لعودة الرئيس الهندوراسي السابق مانويل زيلايا، الذي أطيح به في انقلاب عسكري وقع في حزيران/يونيو من عام 2009. وخلال تلك الوساطة تم اﻹتفاق أيضاً على عودة هندوراس إلى منظمة الدول الأمريكية.

العلاقات مع أفريقيا

أثناء القمة الأولى الخاصة بأمريكا الجنوبية وأفريقيا، التي عقدت في العاصمة الليبية طرابلس، في الحادي والثلاثين من آب/أغسطس من عام 2009، أشار تشافيز إلى التكامل بين كلتا المنطقتين قائلاً:

كلتاهما تشكلان جزءاً من الخريطة الجيوسياسية الجديدة للعالم، عالم يجب أن يكون متعدد الأقطاب أو لا يكون عالماً لأحد، كفى قطبية آحادية وامبريالية في شعوبنا (...) واعتقد على نحو جازم أنه لن يكون هناك مستقبل لأمريكا اللاتينية بدون أفريقيا وكذلك لن يكون هناك مستقبل لأفريقيا بدون أمريكا اللاتينية.

العلاقات مع العالم العربي

إن علاقة قائد الثورة البوليفارية هوغو تشافيز مع الدول العربية، قد تكون إحدى المحطات المهمة والمثيرة في حياته، فقد قام بزيارة العراق مرتين في زمن الرئيس الراحل صدام حسين، وزار ست دول عربية، فضلاً عن أنه كان من أشد المعارضين للحرب ضد العراق، وكان يؤيد الرئيس السوري بشار الأسد، فيما إعتبر الرئيس الليبي معمر القذافي شهيداً حين قتل.

وعلى الرغم من أن هوغو تشافيز هو رئيس لبلد بعيد جغرافيا عن الدول العربية غير أنه تم إطل



التعليق


أترك تعليقا
الجميع مطلوبة
لم يتم نشره
captcha challenge
up