بوتين: التعاون مع أمريكا اللاتينية من المسارات المحورية لسياستنا

بقلم: عبدالرقيب احمد قاسم عكارس
2014-07-11 11:20:48

Pinterest
Telegram
Linkedin
WhatsApp

 

موسكو 11 يوليو/تموز ( روسيا اليوم – راديو هافانا كوبا) : أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن تعاون روسيا مع دول أمريكا اللاتينية يعد "من المسارات المحورية والواعدة جدا" لسياستها الخارجية.

وفي مقابلة أجراها مع وكالتي "برنسا لاتينا" و"إيتار – تاس" الخميس 10 يوليو/تموز عشية جولته في دول أمريكا اللاتينية التي سيزور فيها كلا من كوبا والأرجنتين والبرازيل، أشار بوتين إلى أن ما يجمع بين روسيا ودول هذه القارة هو "الولاء لمبادئ تعدد الأطراف في القضايا الدولية واحترام القانون الدولي وتعزيز الدور المحوري للأمم المتحدة وضمان التنمية المستدامة".

كما أعرب بوتين عن امتنان موسكو لدول أمريكا اللاتينية على تأييدها لمبادرات روسيا على الساحة الدولية، بما في ذلك حظر نشر السلاح في الفضاء وتعزيز الأمن المعلوماتي ومكافحة تمجيد النازية.

 

اللقاء الصحفي لرئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين مع وكالتي الإعلام اللاتينية الأمريكية "برينسا لاتينا" والروسية "إيتار تاس"

 

أمريكا اللاتينية

س - لا يزور الزعماء الروس أمريكا اللاتينية كما يزورون أنحاء أخرى من العالم. ماذا يمكن أن تعطيه أمريكا الجنوبية عموما من الثروات لروسيا، ولا أعني المادية منها فحسب، وماذا يمكن أن تقدم روسيا لأمريكا الجنوبية؟

ج - لا أظن أن العلاقات بين الدول والشعوب يمكن تقييمها استنادا إلى عدد الزيارات على المستوى العالي. والمهم هو المنفعة المتبادلة التي يجلبها التعاون بيننا. ويشكل ذلك أساسا متينا للعلاقات متعددة الجوانب بين روسيا و أمريكا الجنوبية.

وتعتبر أمريكا الجنوبية أو بالأحرى أمريكا اللاتينية حضارة أصيلة قريبة منا روحيا. وقد أصبح الفن التشكيلي للموراليين في المكسيك ورقصة التانغو الارجنتينية والكوندور من بيرو وشعر بابلو نيرودا، أصبحت منذ زمن بعيد جزءا من التراث العالمي. ونحن جميعا نستوحي من إبداع الكاتب والمفكر الكولومبي العظيم غابرييل غارسيا ماركيز والأعمال الرائعة للمعماري البرازيلي البارز أوسكار نيماير.

وتعتبر أمريكا اللاتينية منبعا غنيا للثروات الطبيعية بما فيها النفط والألومينيوم والماء العذب. وتمتلك بلدان المنطقة خبرة غنية لاستحداث نموذج راسخ للتطور الديمقراطي والتنمية الاقتصادية، إضافة إلى المكوّن الاجتماعي القوي هناك.

ويثير تاريخ صراع شعوب أمريكا اللاتينية من أجل نيل الاستقلال وحق تقرير مصيرها احتراما كبيرا. وتعرف بلادنا جيدا أبطالا مثل بوليفار ومارتي وتشي غيفارا وسالفادور الليندي.

لقب "القارة المحترقة" هو ليس رمزا لمرحلة معينة في الماضي الأمريكي اللاتيني فحسب بل الرمز للسعي إلى حياة أفضل والازدهار والتقدم والعدالة الاجتماعية.

ويعتبر التعاون مع دول أمريكا اللاتينية بالنسبة إلى روسيا اليوم أحد المسارات المحورية الواعدة في السياسة الخارجية. ويجمع بيننا الولاء لمبادئ تعدد الأطراف في القضايا الدولية واحترام القانون الدولي وتعزيز الدور المحوري للأمم المتحدة وضمان التنمية المستدامة. ويجعلنا كل ذلك شركاء طبيعيين على الصعيد الدولي. ويمكّننا من تطوير التعاون في طيف واسع من المسائل.

نحن نعرب عن امتنانا لدول أمريكا اللاتينية على تأييدها لمبادراتنا الدولية، بما فيها نزع السلاح في الفضاء وتعزيز الأمن المعلوماتي ومكافحة تمجيد النازية.

ومن المهم بالنسبة إلينا تواصل سياسة تطوير العلاقات الطيبة مع روسيا المتبعة من قبل دول المنطقة، وذلك بغض النظر عن القوى السياسية التي تقود هذا البلد أو ذاك في مرحلة ما، وفي نفس الوقت تعكس هذه السياسة المصالح الوطنية الأساسية لتلك البلدان.

وفيما يتعلق بالجانب المادي للتعاون فإننا نسعى إلى توسيع التعاون الاقتصادي، وقبل كل شيء الجوانب الاستثمارية منه. ونحن مهتمون ببناء تحالفات كاملة في المجالات التكنولوجية والإنتاجية والتصميمية بمشاركة دول المنطقة، والاستفادة القصوى من إمكانيات الاقتصادات التكاملية، والتعاون في مجالات مثل النفط والغاز والطاقة المائية والنووية، وصنع الطائرات والمروحيات والبنى التحتية، إضافة إلى التكنولوجيات المعلوماتية والصيدلة الحيوية.

كما أننا نواصل مساعدة شعوب أمريكا اللاتينية في مواجهتها للمخاطر والتحديات الجديدة، حيث نقوم بإعداد كوادر قوات الأمن في إطار دورات إقليمية لمكافحة تهريب المخدرات في كل من ليما وماناغوا. وسنعزز ايضا التعاون بيننا في مجال إزالة آثار الكوارث الطبيعية.

نعتبر أن الاسهام في توسيع العلاقات الإنسانية وتبادل وفود الطلبة والشباب والزيارات السياحية والعلاقات بين الناس، نعتبره أمرا من الأهمية بمكان. وتساعد المنطقة الخالية من التأشيرات من دون شك في تلبية هذه المهمة، وتشمل المنطقة التي جرى تشكيلها في الأعوام القليلة الماضية، تشمل أمريكا الجنوبية كلها تقريبا وبعض بلدان أمريكا الوسطى ومنطقة الكاريبي. وسيزداد تعداد دول هذه المنطقة.

س - كيف تقيمون التكامل الجاري في أمريكا اللاتينية كتجمّع دول أمريكا اللاتينية والكاريبي "سيلاك" واتحاد دول أمريكا الجنوبية والتحالف البوليفاري لشعوب القارة الأمريكية؟ ما هو نوع العلاقات التي يمكن أن تطورها روسيا مع هذه الاتحادات؟

ج - من مصلحتنا أن تكون أمريكا اللاتينية متماسكة، قوية اقتصاديا وسياسيا ومستقلة، وأن تصبح جزءا هاما من المنظومة العالمية المتعددة الأقطاب التي تتشكل. في هذه المنطقة هناك تحرر في تقاليد محبة الحرية، واحترام الشعوب والثقافات الأخرى، وكقاعدة، لا وجود هناك للتناقضات بين الدول أو الرغبة في استخدام سياسة "فرّق تسد". بل على العكس من ذلك، إن الجميع مستعدون للعمل الجماعي لحماية "البيت اللاتيني" المشترك.

إن عمليات التكامل الجارية في أمريكا اللاتينية تعكس بصورة كبيرة الاتجاه العام في العالم بشأن تطور التكامل الإقليمي، ويشهد ذلك على السعي الى توحيد المنطقة وتعزيز تأثيرها في المحافل الدولية.

أريد ان أشير بشكل خاص الى تشكيل تجمع دول أمريكا اللاتينية والكاريبي "سيلاك". والمقصود هنا هو توحيد كافة بلدان القارة ليكون التجمع هو المنتدى المختص بالنظر في قضايا الاقليم دون تدخل قوى خارجية. نرحب باستعداد "سيلاك" بتحسين العلاقات مع دول من خارج حدود تلك المنطقة ومن ضمنه مع روسيا. لقد التأم في السنة الماضية في موسكو لقاء بين وزراء خارجية روسيا والمجموعة الثلاثية الموسعة. من المهم حاليا تحديد اتجاه التعاون المشترك، ونحن مستعدون لمثل هذا العمل.

نرى كذلك افاقا مستقبلية لإقامة علاقات بين "سيلاك" وبلدان الاتحاد الجمركي والفضاء الاقتصادي الموحد. تعمل روسيا مع بيلاروس وكازخستان على تعميق عملية التكامل. كما جرى في شهر مايو/أيار الماضي التوقيع على اتفاقية إنشاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي سيبدأ نشاطه الكامل في الأول من يناير/كانون الثاني عام 2015. كما يتشكل أحد أضخم الأسواق المشتركة في العالم والذي يبلغ التعداد السكاني لدوله نحو 170 مليون نسمة، وينتقل فيه رأس المال والبضائع والخدمات والقوى العاملة بحرية. سيعمل هذا السوق وفق مبادئ وقواعد منظمة التجارة العالمية. سيحسن ذلك إلى حد كبير القيام بالأعمال التجارية في الفضاء الأوراسي، إضافة الى أنه سيوسع إمكانيات تطوير المنفعة المتبادلة والاتصالات مع الشركاء الخارجيين.

أؤكد، على أننا مستعدون للعمل المشترك مع كافة اتحادات دول أمريكا اللاتينية إضافة الى "سيلاك"، وأقصد هنا اتحاد دول أمريكا اللاتينية والسوق المشتركة لأمريكا الجنوبية "ميركوسور" والتحالف البوليفاري واتحاد المحيط الهادئ ومنظومة التكامل لأمريكا الوسطى وتجمع الكاريبي.

المهم أن تبني هذه الاتحادات علاقاتها الخارجية وتعمل من أجل توحيد، لا تفريق بلدان أمريكا اللاتينية، بما في ذلك من حيث المعايير السياسة والإيديولوجية. نأمل أن يكون تعزيز التعاون عاملا لنجاح وتطور علاقاتنا الثنائية مع شركائنا في أمريكا اللاتينية.

كوبا

س - تربط روسيا وكوبا علاقات تقليدية قديمة ويحاول البلدان تطويرها بروح الشراكة الاستراتيجية. ما هو جوهر العلاقات الروسية الكوبية في الوقت الحالي؟ كيف ترون مستقبلها؟

ج - هناك تقاليد قديمة في أساس العلاقات الروسية الكوبية من الصداقة المتينة والخبرة الفريدة والتعاون المثمر. ويكنّ الشعب الروسي مشاعر المودة الحقيقية والاحترام إزاء الكوبيين. وأنا واثق من أنها مشاعر متبادلة.

من المعروف أنه في التسعينيات من القرن العشرين انخفضت وتائر التعاون الثنائي وتقدم علينا شركاؤنا من دول أخرى في عدد من الاتجاهات. مثلا، عرضت كندا على كوبا مشاريع مشتركة ذات آفاق واسعة في صناعات التعدين وساهم الأوروبيون كثيرا في تطوير السياحة. ونحن الآن مستعدون لتعويض الوقت الضائع.

تعتبر كوبا اليوم من شركائنا الرئيسيين في المنطقة. ولتعاوننا طابع استراتيجي ويُتوقع أن يستمر لأمد طويل. ونقوم بتنسيق وثيق في السياسة الخارجية بما في ذلك ضمن المنظمات الدولية. وتتطابق مواقفنا إزاء العديد من القضايا العالمية والإقليمية.

وتتلخّص المهمة الأساسية لأجندتنا الثنائية في توسيع علاقاتنا الاقتصادية على أساس البرنامج المشترك للتعاون التجاري الاقتصادي والعلمي التقني في الأعوام 2012-2020. ويجري وضع مشاريع كبيرة في مجالات الصناعة والتقنيات العالية والطاقة والطيران المدني والطب وصناعة الأدوية والفضاء بأهداف سلمية.

ومن المجالات البالغة الأهمية لعملنا المشترك في المجال الإنساني. وأصبح إجراء جولات الفرق الموسيقية والمسرحية الروسية وإقامة الفعاليات من التقاليد الطيبة. وسنواصل تطوير الاتصالات الشبابية والعلمية والتعاون في مجال التعليم والسياحة.

على كل حال ننظر إلى مستقبل العلاقات الروسية الكوبية بتفاؤل. وهناك آفاق جيدة عمليا أمام جميع المجالات لتعاوننا الثنائي.

س - لم يبلغ حجم التبادل التجاري والاستثمار بين موسكو وهافانا بعد المستوى العالي الذي بلغته العلاقات السياسية والدبلوماسية. فما هي الخطوات التي يمكن لروسيا أن تقترحها لزيادة حجم الاستثمار الروسي في كوبا ورفع مستوى التبادل التجاري بشكل ملحوظ بين البلدين؟ هل هناك مشاريع كبيرة في كوبا ستشارك فيها الشركات الروسية؟

ج - للعلاقات الروسية الكوبية في التجارة والاستثمار آفاق واسعة. وبهدف استخدامها الفعال تعمل اللجنة الحكومية الثنائية بانتظام. ويُخطط عقد جلستها الثانية عشر في الخريف القادم في هافانا. وتتعاون هيئتا رجال الأعمال وهما مجلسا الأعمال "روسيا – كوبا" و"كوبا – روسيا". وتشارك شركاتنا الخاصة على نطاق واسع تقليديا في معرض هافانا الدولي السنوي حيث عرضت 50 شركة روسية منتوجاتها في عام 2013.

ونرى كافة الإمكانيات لبلوغ مستوى نوعي جديد للتعاون بما فيها بفضل مشاريعنا الكبيرة المشتركة.

على سبيل المثال في أغسطس/آب 2013 بدأت شركة "زاروبيج نفط" في حفر أول بئر لاستخراج النفط في حقل "بوكا دي هاروكو".

وفي القريب العاجل سيجري استثمار الحقول الجديدة في جرف كوبا البحري. وتتعاون شركتا "زاروبيج نفط" و"روس نفط" بنشاط مع شركة "كوبيت" الحكومية الكوبية لتنفيذ هذه المهام.

وتنوي شركة "إنتر راو" المشاركة في بناء وحدات الطاقة لمحطتي "ماكسيمو غوميس" و"هافانا الشرقية" الكهرحراريتين. ويتم إمداد المعدات الروسية الصنع لتوليد الطاقة الكهربائية في كوبا.

وبسبب تطوير منطقة ماريال الاقتصادية الخاصة في كوبا أولت مجموعة من الشركات الروسية المختصة اهتماما بالاستثمار في المنتوجات المصنوعة من المعادن والبلاستيك وصناعة قطع الغيار وتجميع الجرارات وتركيب المعدات الثقيلة لصناعة السكك الحديدية.

 ويُدرس مشروع كبير بمشاركة روسيا وكوبا وباحتمال جذب الإستثمارات من دول ثالثة لبناء عقدة مواصلات ضخمة. ويتضمن هذا المشروع تحديث ميناء "ماريال" البحري وبناء مطار دولي حديث مزود بمحطة الشحن الطرفية في مدينة سان أنطوني دي لوس بانيوس.

ونبدي اهتماما كبيرا للتعاون في مجال التقنيات العالية. وعلى سبيل المثال تجري أعمال واسعة في الجزيرة لبناء البنية التحتية الأرضية التابعة لمنظومة غلوناس ولتقديم المنتوجات والخدمات والتقنيات لكوبا في مجال الإستشعار عن بعد والأقمار الصناعية.

واتخذت روسيا خطوة غير مسبوقة وقامت بشطب 90 % من مديونية كوبا للقروض التي مُنحت في الحقبة السوفيتية. وهذا دليل على الطابع الاستراتيجي للعلاقات الثنائية. وحجم المديونية ضخم ويتجاوز 35 مليار دولار. وقد تم التوقيع على الإتفاقية الحكومية الثنائية في هذا الشأن في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وتجتاز الآن عملية التصديق مرحلتها الأخيرة. ومع ذلك ستنفق الأموال الباقية 10% أو 3,5 مليار دولار في داخل كوبا لتنفيذ مشاريع إستثمارية ضخمة سنختارها ونتفق عليها مع الجانب الكوبي. وستهدف هذه المشاريع إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجمهورية. ونعتقد أن هذه الاستثمارات ستكون مفيدة.

س- كيف تتطور العلاقات التقليدية بين بلدينا في المجالات الإنسانية والثقافية والسياحية؟

ج - نعتبر تطور العلاقات في هذه المجالات أولويةً. حصل عشرات الآلاف من الكوبيين على تحصيلهم العلمي في بلدنا، ونقدم على أساس سنوي للطلبة الكوبيين إمكانيات الدراسة في المؤسسات التعليمية الروسية وعلى حساب ميزانية الدولة، وجرى طرح 100 منحة دراسية لكوبا لعامي 2014 و2015 الدراسيين.

تتكلل بنجاح باهر مشروعاتنا المشتركة في مجال الفنون المسرحية والموسيقية. ويشكل مثالا ساطعا على ذلك فوز مسرحية آنّا كارينينا لفرقة مسرح يفغيني فاختانغوف الروسي في أوكتوبر من العام الماضي في هافانا بالمركز الأول، واعتُرف بهذا العمل في كوبا كأفضل المسرحية أجنبية لعام 2013.

تشارك روسيا بفعالية في معارض الكتاب الدولية التي تجري في هافانا، بما فيها المعرض الـ23 الذي جرى في فبراير من العام الجاري. نثمّن إمكانية تعريف الكوبيين بالثقافة الروسية الكلاسيكية والمعاصرة أيضا.

نعتبر أنه من الروعة عودة كوبا بعد انقطاع دام سنوات طوال إلى مكانها في الرابطة الدولية لمدرسي الأدب واللغة الروسيين. وجرى تشكيل صف لخبراء اللغة الروسية في إطار الرابطة الكوبية لعلماء اللغات، أما على أساس الإدارة التخصصية في جامعة هافانا فقد جرى افتتاح دورات تخصصية.

يشكل الحرم الأرثوذكسي في هافانا صرحا أصيلا للصداقة الروسية الكوبية الذي بادر بتأسيسه زعيم الثورة الكوبية فيديل كاسترو في عام 2008.

منذ أقل من شهر زار بلدنا وفد من الشبيبة الكوبية في إطار برنامج "الجيل الجديد" للجولات الإطلاعية في روسيا، البرنامج مخصص للشباب من ممثلي الأوساط السياسية والمجتمعية والتجارية في الدول الأجنبية، وتجري الجولات المماثلة للعام الثاني، ونعوّل على أن إجراءها سيكتسب طابعا دوريا من الآن فصاعدا.

نعتبر التعاون في المجال السياحي أمرا واعدا يصب في مصلحة الطرفين. في العام المنصرم زار الجزيرة الكوبية نحو 70 ألف مواطن روسي. وحاليا نقوم بخطوات لزيادة عدد شركات الطيران التي تقوم برحلات مباشرة بين مدن بلدينا. ونريد بذلك أن نؤمّن نموا ثابتا للتدفق السياحي الروسي إلى كوبا.

الأرجنتين

س - ما هي المجالات الرئيسية لتطوير علاقات روسيا مع الأرجنتين؟ ما تتوقعونه من الزيارة إلى هذا البلد؟ وما هي الأهداف التي تعولون على التوصل إليها لكي تعتبر هذه الزيارة ناجحة؟

ج - يربط روسيا والأرجنتين ما يزيد عن قرن كامل من العلاقات الوثيقة والانجذاب المتبادل. يقال إنه تجري في عروق شخص من بين كل ستة أشخاص ارجنتينيين على الأقل قطرة واحدة من الدم الروسي. لقد اصبحت الارجنتين وطنا ثانيا لكثير من المهاجرين من بلادنا. ونحن بصدد الاحتفال عام 2015 بذكرى مرور 130 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية.

تعد الأرجنتين اليوم واحدا من أهم شركاء روسيا الاستراتيجيين في أمريكا اللاتينية وفي الأمم المتحدة وفي مجموعة "العشرين". لدينا مواقف متقاربة أو متطابقة من المسائل المبدئية للسياسة العالمية. ونحن متفقون على فهم ضرورة إنشاء نظام عالمي متعدد المراكز وأكثر عدالة يستند إلى القانون الدولي في ظل دور تنسيقي مركزي لهيئة الأمم المتحدة. كما يعتبر توقيع البيان المشترك بين روسيا الاتحادية وجمهورية الارجنتين بشأن عدم المبادرة بنشر الأسلحة في الفضاء مثالا حسنا للتعاون بين البلدين.

إنني اقدّر عاليا الحوار البناء والوثيق مع الرئيسة كريستينا فرنانديز دي كيرشنر. وأعتبر زيارتي إلى بوينس آيرس فرصة لمناقشة المسائل الملحة على الأجندة الثنائية والدولية، فضلا عن مواصلة تبادل الأراء البنّاء حول طرق تعميق العلاقات في مختلف المجالات ورسم مشاريع التعاون ذي المنفعة المتبادلة.

س - المستوى الحالي للتبادل التجاري بين روسيا والأرجنتين ليس عاليا نسبيا. برأيكم، ما الذي يجب القيام به لتحقيق اختراق في العلاقات الاقتصادية بين البلدين؟

ج - لقد وقع البلدان في عام 2009 خطة عمل للشراكة الإستراتيجية نعمل على أساسها بشكل مثمر خلال السنوات الاخيرة وكما يبدو لي، فإننا انجزنا مستوى عاليا من تطبيق الخطوات المنصوص عليها في هذه الخطة.

عندما نتحدث عن الأرقام من المهم المقارنة مع شيء ما. خلال العقد الأخير ارتفع حجم التجارة الروسية الارجنتينية لستة أضعاف ووصل إلى معدل ثابت عند مبلغ 1,8 مليار دولار، الامر الذي يسمح بالنظر إلى الأرجنتين كأحد أهم الشركاء الاقتصاديين والتجاريين لروسيا في منطقة أمريكا اللاتينية.

يجري التعاون على أساس المنفعة المتبادلة، حيث نشتري مثلا المنتجات الزراعية التي تحتاجها بلدنا بالاحجام الضروية . في حين يتم انتاج ربع إجمالي الطاقة الكهربائية في الأرجنتين بواسطة التوربينات المصنوعة في روسيا.

غير أن المشاريع المحققة في الأعوام الاخيرة من قبل رجال الأعمال الروس والأرجنتينيين في مجالات كالطاقة المتجددة والطاقة الكهربائية وقطاع النفط والغاز وبناء آليات النقل وبعض المجالات الأخرى لم تؤد بعد إلى الارتفاع الملحوظ للتبادل التجاري. هناك اشياء يجب أن نعمل عليها.

سنبدي اهتماما خاصا بزيادة التعاون التقتي والاستثماري وعلى وجه الخصوص في قطاع الطاقة ومجال الطاقة الذرية السلمية وبناء الآليات. كما نرى افاقا واعدة لعملنا المشترك اللاحق في القارة القطبية الجنوبية. واخطط لمنقاشة هذه المسائل بكاملها وبالتفاصيل مع الرئيسة كريستينا فرنانديز دي كيرشنر.

س - في مارس/آذار وردت معلومات عن أن الأرجنتين قد تصبح دولة سادسة في منظمة بريكس. دعمت هذه المبادرة ثلاث من خمس دول أعضاء في المنظمة بما في ذلك الهند والبرازيل وجمهورية جنوب افريقيا. ما رأي روسيا بهذا الشأن؟ هل من المعقول توسيع منظمة بريكس؟ وما هي معايير الانضمام المحتمل لدولة ما إلى منظمة بريكس؟

ج - ترحب روسيا بسعي القيادة الارجنتينية إلى التقارب مع بريكس. نعم من الممكن إقامة علاقات شراكة استراتيجية بين بريكس والارجنتين كما هذا ممكن ايضا مع بلدان كبرى صاعدة من حيث الجوانب السياسية الدولية والاقتصادية المالية.

مع ذلك لا ينظر في الوقت الحاضر عمليا بموضوع توسيع منظمة بريكس في البداية يجب تيسير عمل جميع اشكال التعاون التي قد تم إنشاؤها في إطار هذا الإئتلاف.

ليس هناك من معايير صارمة لانضمام دولة ما إلى بريكس. ويجري تبني القرار بهذا الشأن بشكل مستقل.

 وبوجه عام اليوم يزداد عدد البلدان التي ترى آفاقا واعدة لمنظمتنا ولذا ربما ستطرح مسألة التوسع التدريجي لمنظمة بريكس مستقبلا.

البرازيل

س - ما هو تقييمكم لوضع ومستقبل علاقات الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والبرازيل؟ ما هي المسائل والاقتراحات المحددة التي تحملونها الى البرازيل؟

ج - تعاوننا الثنائي يحمل صفة استراتيجية. وهذا يرجع الى أن البرازيل عضو مهم في المجتمع الدولي، وثقلها السياسي ينمو باطراد، وكذلك هي كبرى دول اميركا اللاتينية وتدخل ضمن الاقتصادات الرائدة في العالم. يكفي أن نذكر المشاركة النشيطة للبرزيل في البريكس و"مجموعة العشرين" وفي عدد من المنظمات الإقليمية اللاتينية مثل (سيلاك وميركوروس وأوناسور).

ندعم البرازيل كمرشح قوي للحصول على كرسي العضوية الدائمة في مجلس الأمن. وأنا واثق من أن هذه الدولة القوية والتي تنمو بحيوية مدعوة للعب دور هام في النظام العالمي متعدد الاقطاب الآخذ بالتشكل.

اؤكد مشددا أن البرازيل واحدة من الشراكاء الرئيسيين لروسيا في اميركا اللاتينية. تربطنا بالبرازيل علاقات قديمة من الصداقة والثقة والمودة المتبادلة. نعمل بنشاط على تطوير الحوار السياسي والتعاون في المجال التقني - العسكري والعلمي والتقني والإنساني وننمي العلاقات الاقتصادية والاستثمارية.

ففي خلال السنوات العشرة الماضية نما التبادل التجاري بثلاث اضعاف تقريبا ووصل في عام 2013 الى 5,5 مليار دولار. الشركات من البلدين على اتصال وثيق عن طريق مجلس الاعمال الروسي البرازيلي. مواطنو بلدينا لم يعودوا بحاجة لتأشيرات عبور للسفر المتبادل. عشرات من أفضل الجامعات العلمية الروسية التي انضمت إلى البرنامج البرازيلي "العلم بلا حدود" جاهزة لفتح أبوابها أمام الطلاب البرازيليين والتبادلات الثقافية اصبحت أمر تقليدي.

خلال هذه الزيارة ننوي مناقشة مستقبل توجهات تطوير التعاون وتحديد مشاريع مشتركة جديدة في مجالات الطاقة والاستثمار والتقنيات الحديثة والزراعة والعلوم التقنية. من المخطط أن يجري التوقيع على حزمة وثائق هامة، تطال مجالات مختلفة، بما فيها مجال الوزارات المختصة وبين الشركات الحكومية والخاصة وبين مؤسسات البحث العلمي والمؤسسات التعليمية.

س - مستوى العلاقات التجارية والاقتصادية بين روسيا والبرازيل بعيد عن الطاقات التي أكد عليها قادة الدولتين. مالذي يمكن القيام به حسب رأيكم لكي تحصل عملية استخدام هذه الطاقات على دفعة ملموسة ؟ ما الذي يكبح ويعيق الانتقال الى مستوى جديد من التبادل التجاري؟

ج - حقاً، وبغض النظر عن النتائج المقبولة، فإن طاقة التعاون الاقتصادي والتجاري مع البرازيل غير مستخدمة مئة في المئة. والاكثر من ذلك وعلى خلفية عدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي يلاحظ بعض الانخفاض في تبادل المنتجات بين البلدين (بنسبة 3,3 % في عام 2013). ولكي يتم تصحيح هذا الوضع من الضروري تنويع العلاقات التجارية وتنمية توريد المنتجات ذات التقنيات العالية ومعدات بناء الآلات، وتنمية التعاون في مجالات الطيران والطاقة والزراعة.

الشركات الروسية تبدي اهتماما بالسوق البرازيلية. جرى اطلاق عدد من مشاريع الاستثمار الناجحة بمشاركة شركات من بلدينا في مجال الطاقة وبناء الآليات، وصناعة الادوية. حيث تقوم شركة "روس نفط" بالاشتراك مع شركة النفط والغاز البرازيلية " ايتش - آر – تي" بعمليات التنقيب واستخراج الهدروكربونيات في حوض نهر "سوليمويس". شركة " آليات الطاقة" تجري اعمال لتسير عملية تصنيع معدات توربومائية باستطاعة 100 ميغا واط لتصديرها لاحقا الى دول أخرى في ميركوسور. شركة "بويكاد" تنشئ في البرازيل مركز بحث علمي وتعليمي وانتاجي، حيث ستجري فيه صناعة أجهزة التقنيات الحديثة لعلاج الأمراض السراطنية.

إنني على يقين أن إنجاز مثل هذه المشاريع سيساعد بإيصال التعاون في التبادل الاقتصادي والتجاري بين البلدين الى مستوى أكثر نضوجا، يتطابق مع امكانيات اليوم وطاقات المستقبل لبلدينا.

س - روسيا ستستلم الراية لاستقبال بطولة كأس العالم لكرة القدم من البرازيل. هل تتابعون المونديال؟ ومالذي لفت انتباهكم من التجربة البرازيلية في عملية التحضير والاستقبال لهذه المباريات والتي ستاخذ بالحسبان عند تنظيم البطولة في عام 2018؟

ج - أحاول أن أتابع فعاليات بطولة العالم بكرة القدم بقدر ما يسمح لي برنامج عملي. منتخبات دول اميركا اللاتينية عرضت كرة قدم ساطعة وممتعة. وللاسف ان فريقنا انهى استعراضه في مرحلة الدور الاول بين المجموعات، ولكن حسب رأيي حاول اللعب بشكل مشرف.

بدعوة من الرئيس البرازيلي ورئيس الفيفا سأحضر اللعبة النهائية لبطولة العالم للمشاركة في احتفالات نقل الراية لاستقبال هذه البطولة من البرازيل الى روسيا. في عام 2018 روسيا ولأول مرة في تاريخها ستستقبل هذا الحدث الرياضي الأكثر شهرة في العالم.

لقد اجرينا بنجاح الالعاب الاولمبية والبارالمبية الشتوية في شباط/فبراير وآذار/مارس من هذا العام. ونحن على علم كم من الجهد تتطلب عملية تنظيم مثل هذه الفعالية الضخمة. ندرس التجربة البرازيلية باهتمام شديد التي ستستقبل ايضا الالعاب الاولمبية في عام 2016. ممثلين عن عدد من الوزارات الرسمية والمنظمات بما فيها وزارة الرياضة والمؤسسة المستقلة غير الحكومية (لجنة التنظيم "روسيا- 2018") على اتصال دائم مع الزملاء البرازليين. لقد زاروا البرازيل عدة مرات وانا واثق انهم سيقومون باكثر من زيارة في المستقبل الى هنا.

أريد الإشارة الى أنه في عدد من المواضيع روسيا تخطط لتذهب أبعد من مستقبلي "مونديال-2014". حيث قمنا بتثبيت قانون خاص على المستوى الفدرالي يسمح بنظام تاشيرات تفضيلي للأجانب الذين سيساعدوننا في تحضير بطولة عام 2018. اما على قبيل وخلال البطولة وليس فقط لكافة المشاركين الرسمين فيها من رياضيين وحكام ومدربين وغيرهم وانما حتى المشجعين سيكون بمقدرتهم السفر الى روسيا بدون تأشيرات. هذه السابقة لا وجود لها في تاريخ بطولات كرة القدم.

بشكل عام انا واثق ان بطولة العالم في البرازيل ستصبح صفحة ساطعة تاريخ كرة القدم. اتمنى للمنظمين البرازيليين انهاءها بنجاح ونحن بدورنا سنقوم بكل ما هو ممكن لإفراح العالم بجعل بطولة عام 2018 عيدا لا ينسى لكرة القدم وابداء الكرم الروسي الحقيقي.

س - ما هو الحيز الذي ستشغله في المفاوضات التي ستجرى في أمريكا اللاتينية قضايا النظام العالمي المعاصر، الذي يمنح في ظله بعض اللاعبين على الساحة الدولية لنفسهم، وبشكل منفرد، حقوقا اوسع، بما في ذلك حق التنصت حتى على الزعماء الذين يصفونهم بأنهم شركائهم؟

ج - لقد بات عالم القرن الحادي والعشرين متعولما ومترابطا، ولذا لا يمكن لدولة واحدة أو مجموعة دول أن تقوم منفردة بحل القضايا الدولية الرئيسية. كما أن جميع محاولات إقامة "واحات الأمن والاستقرار" المستقلة محكوم عليها بالفشل.

إن التحديات والتهديدات المعاصرة تتطلب التخلي عن محاولات فرض نماذج التنمية الغريبة على الشعوب الأخرى. ولقد أثبت هذا النهج فشله لمرات عديدة. فهو لا يساعد على تسوية النزعات والأزمات، بل يقود إلى الفوضى وزعزعة الاستقرار في الشؤون الدولية.

من المهم اليوم بمكان تضافر جهود المجتمع الدولي بالكامل لضمان الأمن غير القابل للتقسيم بالنسبة للجميع بالتساو، وكذلك لحل كافة القضايا الخلاقية على أساس مبادئ القانون الدولي في إطار دور تنسيقي محوري لهيئة الأمم المتحدة.

أما فيما يتعلق بوقائع التجسس الإلكتروني التي تمت الإشارة إليها، فإن ذلك لا يعد فقط نفاقا صريحا في العلاقات بين الحلفاء والشركاء، بل وتعد صارخ على سيادة الدول وانتهاكا لحقوق الانسان وتدخلا في الحياة الخاصة للناس. ونحن على استعداد للعمل معا على ابتكار نظام للإجراءات الرامية لتوفير أمن المعلومات الدولي.

 



التعليق


أترك تعليقا
الجميع مطلوبة
لم يتم نشره
captcha challenge
up