رحل فيدل كاسترو الرجل الذي قاد الثورة الكوبية المجيدة وكان وبلا شك أحد أشرس العمالقة الشيوعيين في القرن العشرين، آخر الرجال العظماء والقادة الثوريين، والعدو اللدود للاستعمار الأمريكي الوحشي، ورمز الصمود والتحدي في مواجهة كل عمليات الإذلال من خلال الحصارات التجويعية الظالمة.
هذا الرجل الذي، وعلى مدى اكثر من خمسين عاما من الكفاح، وضع جزيرة كوبا المجهولة في البحر الكاريبي في قلب خريطة العالم، وحولها إلى مصدر الهام للثورات في أمريكا اللاتينية والعالم الثالث بأسره.
رئيس جمهورية فنزويلا البوليفارية نيكولاس مادورو اكد انه منذ منتصف القرن العشرين كان عمل القائد التاريخي للثورة الكوبية فيدل كاسترو منارة من الأفكار والكرامة للشعوب العالم.
وتذكر نيكولاس مادورو الصداقة بين فيدل كاسترو الزعيم الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز المحرك الرئيسي للثورة البوليفارية، وسلط الضوء على حياتهم التي تميزت بطابع معادي للإمبريالية والعنصرية.
أن هناك الكثير ممن يحبون فيدل كاسترو، فالغالبية الساحقة من الشعب الكوبي يعتبره بطلاً وقائداً ليس له نظير، وهو الصانع الحقيقي لكوبا التي يعرفونها اليوم.
كما أن صديق القائد الراحل العزيز، الروائي الحائز على جائزة نوبل للآداب جابرييل جارسيا ماركيز، قد قال قبل عن فيدل كاسترو قبل وفاته، بأنه رجل بصبر لا يُمكن هزّه، وانضباط حديدي لا يتزعزع، ومُخيّلة واسعة تقهر كل الصعاب.
كان انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 نكسة كبيرة بالنسبة للثورة الكوبية اقتصاديا، ولكنها نجحت في تجاوز هذه النكسة أو التخفيف من أثارها بفضل صمود الشعب الكوبي ، ولعب الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز الدور الأبرز في دعم توفير والاستثمارات والنفط في كوبا، مقابل استلام المعلمين والأطباء من الجزيرة الكاريبية لمحو الأمية وتحسين صحة الشعب الفنزويلي.
تحدى فيدل كاسترو 11 رئيسا أمريكيا، وافشل اكثر من 638 محاولة اغتيال دبرتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وقضى على الأمية في بلاده في السنتين الأولى من الثورة، وأسس نظاما صحيا ليس له نظير في العالم كله، وأرسى نظاما تعليميا انجب الأطباء المهرة الذين ذاع سيطهم، وتفوقوا على نظرائهم خريجي وأساتذة اشهر الجامعات والأكاديميات الطبية في العالم.
لم تغب فلسطين عن تراث القائد الراحل، فبعد سلسلة لقاءات مع الفلسطينيين بينها لقاء الرئيس الراحل ياسر عرافات، وقع فيدل كاسترو عام 2014 بياناً دولياً للدفاع عن فلسطين يطالب الكيان الإسرائيلي باحترام قرارات الأمم المتحدة والانسحاب من غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية
واتهم فيدل كاسترو طوال حياته، إسرائيل بممارسة شكل جديد من أشكال الفاشية ضد الشعب الفلسطيني من خلال العمليات العسكرية الوحشية.
بعد تخرج القائد الكوبي من جامعة هافانا، بدأ بممارسة المحاماة لمدة عامين، كان حينها ينوي الترشح في الانتخابات البرلمانية، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد تم إلغاء الانتخابات بعد قيام الديكتاتور فولهنيسو باتيستا بانقلاب عسكري أطاح بنظام كارلوس بريو ساكاراس، وبدأت الحياة السياسية في كوبا تتخذ مجرى آخر.
عصر جديد في ظل نظام ديكتاتوري مدفوع من الولايات المتحدة الأمريكية، قيد حرية الصحافة والإعلام، وبات يلاحق المعارضين وكل من لا يعلن ولاءه للحاكم، ومن هنا دبت روح الثورة في فيدل كاسترو، حيث بدأ بتشكيل قوة ثورية لمهاجمة إحدى الثكنات العسكرية، إعلاناً لرفض سياسة باتسيتا القمعية، لكن محاولته باءت بالفشل، حيث أسفر الهجوم عن مقتل 80 من أتباعه، كما تم إلقاء القبض عليه هو وبعض أعوانه، وحكم عليهم بالسجن لمدة 15 عاما، وبعد عامين فقط تم الإفراج عنهم في مايو/أيار 1955.
سافر فيدل كاسترو إلى المكسيك بعد إطلاق سراحه، بهدف البعد عن عيون الاستخبارات الأمريكية المزروعة في مختلف أنحاء كوبا، وهناك اجتمع برفاقه الثوريين وعلى رأسهم أخوه راؤول كاسترو والكوبي الأرجنتيني ارنيستو تشيه جيفارا دي لا سيرنا المعروف باسم (تشيه) للتخطيط لثورة مسلحة بهدف إنهاء الهيمنة الأمريكية على كوبا، وإسقاط نظام باتيستا الديكتاتوري.
كما قام بتأسيس حركة 26 يوليو/تموز الثورية، التي كانت سبباً في لقائه بالمناضل تشي جيفارا، وبمرور الوقت نشأت بينهما علاقة صداقة قوية، ساهمت فيما وصلا إليه كلاهما.
فور الانتهاء من تجهيز الخطة والتدريب الكافي، أبحر فيدل كاسترو ورفاقه إلى كوبا لإشعال فتيل الثورة، وبالفعل لاقت المبادئ الثورية للقائد الثائر تأييدا شعبيا هائلا، كما انضم عدد كبير من أفراد القوات المسلحة الكوبية إلى جانبه، الأمر الذي ساعده ورفاقه في إسقاط نظام باتيستا الحاكم المستبد الذي اختار الهرب بعد فشل محاولة بقائه في الحكم في الأول من يناير/كانون الثاني 1959.
مضت اكثر من 50 عاما، ولم تقدر الولايات المتحدة بكل جبروتها، أن تصنع لرجل يتحداها شيئاً. وأما رفيق الكفاح تشي غيفارا، فقد ودّع صديقه فيديل قبل أن يذهب إلى مغامرته الأخيرة فى بوليفيا. فكتب إليه رسالة قال فيها: إما أن ينتصر الإنسان أو أن يموت. ولقد قضى الكثيرون من رفاقنا نحبهم في الطريق إلى النصر. أنني أشعر بأنني أنجزت ذلك الجزء من عملي ألذي كان يربطني بالثورة الكوبية، وإن بلاداً أخرى في هذا العالم تحتاج إلى جهودي. وأظن أنني أستطيع القيام بما لا تستطيعه أنت بسبب مسؤولياتك في قيادة كوبا. لقد حان وقت الرحيل والافتراق، وأريدك أن تعرف أنني أرحل بمزيج من الغبطة والألم. فإذا جاءت ساعتي تحت سماءٍ أخرى، فإنك والشعب الكوبي ستكونان في خاطري قبل أن ألفظ نفسي الأخير..حتى النصر دائما.
ومنذ عام 1959 كان لفيدل كاسترو والثورة الكوبية تأثير عميق على السياسة في جميع أنحاء العالم ، ثورته أعطت ألوحي لعدة محاولات عديدة من الثورات التي اندلعت في دول مثل نيكاراجوا والسلفادور وفي أمريكا الجنوبية، فولدت العديد من حركات التمرد ، فهذه الحركات أملت في الحصول على ثورة في بلادهم على غرار ما حدث في كوبا، وكوبا قامت بمساعدة العديد من هذه الجماعات المتمردة بالسلاح والتدريب من اجل تحسين معيشة المواطنين وحياة كريمة لجميع الناس.
فيدل مقترنٌ بالإنجازات التي راكمتها الثورة برغم الحصار الأطول والأصعب في التاريخ السياسي الحديث. هو الذي أطلق برنامج محو الأمية في العام الذي تلا الثورة مباشرة، حين أُوقفت الجامعات والمدارس وتحول كل من يعرف الكتابة والقراءة إلى معلم لآلاف الكوبيين الذين تركوا ليعانوا الجهل وآثاره في عهد باتسيتا. خلال سنتين، أصبح كل كوبي قادرا على الكتابة والقراءة. وبعد نحو خمسين عاماً، تبنت اليونيسكو برنامج كوبا لمحو الأمية وعنوانه «نعم انا استطيع» لتنشره في العالم. أمرٌ لن يعرف كثر عنه، إذ إنّ الدعاية المضادة لكوبا، لن تورد خبراً كهذا عن هذه الجزيرة الكاريبية العنيدة.
واليوم تأتي كوبا بين الأعلى في العالم، إذ تصل إلى نسبة ال 99،9 بالمئة من الشعب الكوبي متعلم ضمن نظام تربوي لا يدفع فيه أي شخص سنتاً واحداً من صف الروضة حتى انتهاء مرحلة الدكتوراه. هذا فضلا عن النظام الصحي المجاني بالكامل لكل كوبي وغير كوبي على أراضي جزيرة الحرية وكل ذلك بفضل كفاح وصمود القائد الخالد فيدل كاسترو.
سيبقى القائد التاريخي للثورة الكوبية في قلوب جميع سكان المعمورة ، وستبقى روحه الثورية منارة للشعوب العالم النامي في استمرار النضال والكفاح لنيل الحرية والسيادة والاستقلال.