عندما نقوم في الإشارة إلى الصحة العامة في كوبا لا يسعنا إلا أن نتذكر المحرك الرئيسي لهذا القطاع، القائد التاريخي للثورة الكوبية فيدل كاسترو الذي دافع منذ السنوات الأولى من حياته عن الحق في الرعاية الصحية الشاملة والمجانية لجميع السكان.
تبنت كوبا تحت قيادة الزعيم الراحل فيدل كاسترو سياسات اجتماعية واقتصادية أدت إلى تغييرات جوهرية في العديد من مناحي الحياه ومنها التحولات المتميزة في النظام الصحي الوطني. ففي عقد التسعينات بدأت وزارة الصحة العامة مرحلة جديدة من التحول في الرعاية الصحية هدفها تحديد الاستراتيجيات والبرامج التي من شأنها إن تؤدي إلى ترسيخ وتحديث النظام الصحي باتباع طرق وأساليب عمل جديدة ومنذ ذلك الحين تمكنت الجزيرة الكاريبية من ترشيد نفقات القطاع الصحي بشكل ملحوظ.
وفي إطار سعيها نحو إصلاح عام للقطاع الصحي، حددت وزارة الصحة الكوبية أولوياتها وهي:
1- إعادة توجيه النظام الصحي نحو الرعاية الصحية الأولية.
2- تنشيط الرعاية الصحية في المستشفيات.
3- إحياء أحدث التقنيات وتحديث البرامج والمعاهد و البحوث العلمية.
4- زيادة الاهتمام بطب الطوارئ.
وقد أعطيت الأولوية ألقصوى لبرامج صحة الأم والطفل والأمراض المزمنة وغير المزمنة وبرامج صحة المسنين.
تحول الحلم إلى حقيقة ليس فقط بالنسبة لكوبا، ولكن أيضا لجميع دول العالم الثالث حيث يعمل الأطباء الكوبين في اكثر من مائة دولة على أساس طب علمي وإنساني، انقذ الملايين من الناس الذين من المحتمل انهم كانوا يموتون دون رعاية متخصصة، فهي ليست مجرد كلمات، هي الحقائق التي لا يمكن لاحد تجاهلها.
كان عام 2016 قد تمثل بتوسيع فيروس زيكا في أمريكا اللاتينية والذي ينتقل كما حمى الضنك وشيكونغويا والحمى الصفراء بواسطة البعوض، بحيث أصدرة منظمة الصحة العالمية حالة تأهب الوباء. ونظرا للتجربة عقدت منظمة الصحة للبلدان الأمريكية في العاصمة الكوبية هافانا اجتماع للخبراء وبمشاركة عدد كبير من وزراء الصحة والسلطات الطبية في المنطقة حيث وتوصلوا إلى توافق للعمل المشترك والتكيف وفقا لظروف كل بلد في الكفاح من اجل الحد من مستويات الإصابة بهذا الفيروس.
وقامت كوبا باتخاذ خطوات مكثفة منذ البداية وبرامج صحية شارك فيها عمال وزارة الصحة والقوات المسلحة الثورة ووزارة الداخلية والسكان بشكل عام، لانه من المعروف جيدا انه يتم إحراز نتائج في المعركة ضد الفيروسات اعتبارا من المنازل، وفي الوقت الحالي يتم تنفيذ برنامج الاستدامة.
في بداية هذه الألفية نفذت كوبا العديد من البرامج الاجتماعية في إطار ما أطلقت عليه معركة الأفكار، وقد صممت هذه البرامج والإجراءات من اجل إصلاح وتطوير القطاع الصحي تحت مظلة ثورة القطاع الصحي لتقديم خدمة صحية لكل المواطنين بلا استثناء بالمجان دون أن يوثر ذلك على جودة الخدمات الصحية المقدمة.
في دراسة نشرها مركز دراسات الصحة بجامعة هافانا في عام 2013 والتي تلقي الضوء على الإجراءات التي اتخذتها وزارة الصحة أثناء تطبيقها لبرامج الإصلاح ، فانه من اهم هذه الإجراءات التي اتخذتها الوزارة إعادة تحديث وتوزيع العيادات الخارجية بحيث تكون الخدمات الصحية متوفرة و قريبة من المواطنين.
كوبا المصنفة كدولة من دول العالم الثالث قد وصل فيها معدل وفيات الأطفال إلى حوالي 4.7 لكل ألف مولود حي محققة معدل مساوي تقريبا لمثيله في كندا والولايات المتحدة واستراليا، بينما كان معدل وفيات الأطفال في عام 1960 حوالي 60 لكل 1000 مولود حي.
تنفق الحكومة الكوبية ما يزيد على ال 10 بالمائة من ناتج الدخل القومي على الصحة ويعمل لديها حوالي 76 طبيب لكل 10000 نسمة.
وقد كانت أمراض القلب والأوعية الدموية في المرتبة الأولى عام 2016 بين أسباب الوفاة في كوبا، تليها السرطان الخبيث ثم مشكلة صحية خطيرة هي الأمراض المزمنة الغير معدية والتي وفقا لأحدث البحوث فان هذه الأمراض تظهر في سن مبكر، مما قامت السلطات الصحية في تعزيز برامج التربية الخاصة بالسكان.
على مدى العقود الخمسة الماضية، ثمة تغييرات جذرية طرأت على التعليم الطبي في كوبا بحيث يتواكب مع ثورة الرعاية الصحية الكوبية التي تستلزم تخريج عدد كبير من الأطباء المدربين تدريبا متناسقا مع الرؤية الجديدة لإصلاح القطاع الصحي، ولقد كان لهذه الطفرة في التعليم الطبي أهداف ثلاث:
1- زيادة تدريب الأطباء لتلبية الاحتياجات الصحية الملحة للسكان.
2- إعداد الأطباء أعدادا علميا وثقافيا واجتماعيا.
3- اتساق التدريب والعلوم الطبية وقواعد المعرفة مع الرؤية الجديدة لإصلاح القطاع الصحي.
في سنة 1976 اتخذت كوبا الخطوة الحاسمة في التعليم الطبي حيث نقلت مسؤولية تخطيط وتنفيذ التدريب الطبي من وزارة التعليم إلى وزارة الصحة. فبينما تشرف وزارة التعليم على منح الشهادات الأكاديمية، تقوم وزارة الصحة بتصميم المناهج التعليمية والتدريبية والإشراف عليها طبقا لاحتياجات السكان ورؤيتها الجديدة في إصلاح القطاع الصحي.
وفي خطوة حاسمة أخرى عام 1980 وسعت كوبا دائرة التدريب الطبي بحيث يستطيع الطالب استكمال تدريبه الطبي في منطقته السكنية التي من المفترض أن تكون مكان عمله النهائي فيتعرف علي مشكلات منطقته الصحية، كما يمتد التدريب في المناطق السكنية لطلاب الدراسات العليا في اكثر من 54 تخصص.
واكب ثورة القطاع الصحي الكوبية والتركيز على الرعاية الصحية الأولية التركيز علي تخريج أطباء ألأسرة ورعاية صحية أولية علي مستوي عال من المعرفة والتدريب والثقافة المجتمعية ولم يقتصر هذا التركيز على طبيب الأسرة فقط بل اتسع ليشمل معاونيه من طاقم التمريض، وقد أسهمت الموارد البشرية الطبية عالي التدريب والكفاءة، إسهاما كبيرا في الطفرة التي تشهدها كوبا في الرعاية الصحية الأولية وطب الأسرة.