رفضت دول العالم مرة أخرى عام 2017، الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه الولايات المتحدة ضد كوبا لأكثر من نصف قرن من الزمن، وأنه وبعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، فقد تكثف هذا الحصار، من خلال مراهنة الرئيس الجديد للعودة إلى سياسة عدوانية وعدوانية ضد البلد الكاريبي.
وكان التصويت ضد هذه الحصار عام 2017 هو كما جرى العام المنصرم 2016، اي ل 191 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح القرار الكوبي بشأن ضرورة وضع حد لتدابير وصفها العالم بأنها غير إنسانية و ذات إبادة جماعية، لأنها تقلل من الحقوق الأساسية مثل الصحة، والتعليم والمواد الغذائية للسكان.
وكانت إسرائيل وحدها، كما العادة، هي التي عرضت دعمها للولايات المتحدة، التي كانت معزولة تماما داخل الأمم المتحدة، حيث لم يؤمن المجتمع الدولي بالضغط ولا بالابتزاز، وفرض حق الشعب الكوبي في تحقيق تنمية مزدهرة ومستدامة دون أي تدخل خارجي بالشئون الداخلية.
وفي مداخلته في جلسات الجمعية العامة اكد المندوب الدائم لجمهورية نيكاراغوا: " أن بلاده تطالب من حكومة الولايات المتحدة بالرفع الفوري للحصار، وإعادة الأراضي التي تحتلها شرق كوبا واحترام رغبة الشعوب للعيش في سلام ودون أي تدخل خارجي بالشئون الداخلية".
من جانبه شدد مندوب بوليفيا: " إن بلاده تعتبر أن هذا الحصار يؤثر على التجارة الدولية مع كوبا وغيرها من قطاعات البلد الكاريبي مثل التعليم والصحة والثقافة والاستثمار الأجنبي والسياحة والصناعة".
وكان يوم الثلاثين من نوفمبر الماضي تاريخيا بالنسبة لكوبا حيث قامت دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بمواجهة أقوى امبراطورية عرفها تاريخ البشرية، وكشف وزير العلاقات الخارجية الكوبي برونو رودريغيز الأكاذيب الصارخة لوفد واشنطن في الجمعية العامة، حيث اكد إن الولايات المتحدة، التي ترتكب فيها انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، والتي تثير قلقا عميقا من جانب المجتمع الدولي، لا تتمتع بأدنى سلطة أخلاقية في انتقاد كوبا، وهي بلد صغير متين يتمتع بمسار دولي واسع ومعترف به، شعب نبيل، يعملون بجد وودود.
وتلقى خطاب وزير خارجية كوبا تصفيق حار على النقيض مع الرفض الذي أثارته كلمات المندوبة الأمريكية والتي استلمت انتقادات شديدة اللهجة ومؤهلة كجريمة للدول الأعضاء في المنظمة الدولية.
وكان ليس من المستغرب موقف الولايات المتحدة، لأن تصريحات الإدارة الجديدة لدونالد ترامب جعلتها تتوقع أن واشنطن لن تحافظ على امتناعها عن التصويت كما جرى العام الماضي 2016.
في الواقع، في يونيو 2017 وبعد ان ألقى دونالد ترامب خطاب في مدينة ميامي التابعة لولاية فلوريدا الأمريكية، مليء بالأعمال العدائية والعدوانية، حيث قام بالتوقيع على قرار بعنوان "مذكرة الأمن القومي الرئاسي بشأن تعزيز سياسة الولايات المتحدة العدائية تجاه كوبا"، حيث كان الهدف الرئيسي لهذه القرار هو عكس التقدم المحرز في العلاقات بين البلدين من قبل سلفه بعد إن اعلن الرئيسان راؤول كاسترو وبراك اوباما ال 17 من ديسمبر من عام 2014 قرار استئناف العلاقات الدبلوماسية، والشروع في عملية تطبيع العلاقات الثنائية.
وهكذا، فإن التدابير الجديدة ضد الشعب الكوبي، الواردة في المذكرة، دخلت حيز التنفيذ في ال 8 نوفمبر، بعد أسبوع واحد فقط من موافقة الأمم المتحدة للمرة السادسة والعشرين على قرارا ضد الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي سبب من أبريل 2016 إلى أبريل 2017، خسائر في الاقتصاد الكوبي في حدود 4 ألف و 305 مليون دولار.
وتماشيا مع القيود الجديدة، نشرت وزارة الخارجية الأمريكية قائمة تضم 179 شركة كوبية لا يمكن للشركات الأمريكية أن تكون لديها معاملات اقتصادية معها بتهم يزعم أنها موجهة من الجيش والأمن.
وتشمل القائمة شركات سياحية خاصة مثل الفنادق والمخازن التي تمثل قطاعا استراتيجيا من اقتصاد الأرخبيل الكوبي، ولكنها تصل أيضا إلى ماركات المشروبات والروم الكوبي. كما أن هذه التدابير تضر بالمواطنين الأمريكيين نفسهم الذين سيتعرضون لحقهم في السفر إلى البلد الوحيد في العالم الذي لا يمكنهم زيارته بحرية.
وأصدر الرئيس ترامب تعليماته بإنهاء الاتصالات الفردية بين الشعبين التي سمحت للأمريكيين بالسفر إلى كوبا بمفردهم دون الحاجة إلى رعاية أي منظمة.
وبالإضافة إلى ذلك، ألغي التوجيه الرئاسي السابق لباراك أوباما في 14 أكتوبر 2016، على الرغم من أنه يحتوي على عناصر تدخلية، فقد اعترف بالطبيعة المتقادمة للحصار والعقبة التي تمثلها بالنسبة للمصالح الأمريكية، ويتجاهل ترامب مصالح الولايات المتحدة في قطاعات الأعمال الهامة في أمريكا الشمالية مثل السياحة والزراعة وصناعة الألبان، ولكن أيضا يتجاهل رأي أعضاء الكونغرس وغالبية المجتمع في بلادهم.
وتكشف العديد من الاستطلاعات أن 76 بالمائة من الأمريكيين الذين تم استشارتهم يؤيدون عملية التطبيع الدبلوماسي مع كوبا التي بدأها أوباما، وأنه في الواقع يدعمها 65 بالمائة من الجمهوريين و 83 بالمائة من الديمقراطيين.
غير أن دونالد ترامب قد اختار العودة إلى زمن الحرب الباردة وتكثيف الحصار، وإن كان هو نفسه غير صالح، وربما كتنازل لتلك المجموعة من اليمين المتطرف من أصل كوبي في ولاية فلوريدا، التي دعمته للفوز بالرئاسة، على الرغم من أنه كان قد انتهكها في التسعينات من القرن الماضي عند ممارسة الأعمال التجارية مع كوبا.
والحقيقة هي أنه وبموقفه ابتعد بنفسه عن مشاعر أغلبية الأمريكيين والمجتمع الدولي، وهو ما أدى في تحصله إلى الهزيمة الأولى على تلك السياسة العدائية التي عفا عليها الزمن والتي تراهن بها.
إن الولايات المتحدة تتحرك في الاتجاه المعاكس للعالم الذي واصل الإعراب عن إدانته للحصار الذي يعتبره عملا من أعمال الإبادة الجماعية بموجب اتفاقية عام 1948 لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
وفي وقت سابق من شهر ديسمبر 2017 وفي أنتيغوا وبربودا في القمة السادسة لمجموعة دول البحر الكاريبي (كاريكوم) - كوبا، طالبت منطقة البحر الكاريبي مرة أخرى بإنهاء هذا الإجراء الانفرادي، بينما اعتمد مجلس وزراء مجموعة بلدان أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادئ في بروكسل عاصمة بلجيكا، قرارا جديدا للدعم إلى كفاح كوبا ضد الحصار.
وكما أكد وزير الخارجية الكوبي في الأمم المتحدة عند الإشارة إلى مداخلة المندوبة الأمريكية الدائمة في الأمم المتحدة: "على الأقل أنها قد اعترفت بالعزلة المطلقة للولايات المتحدة في هذه الغرفة وفي هذا العالم. وهم اصبحوا وحدهم في مسألة الحصار المفروض على كوبا!.