كان عام 2018 بمثابة انتصار جديد لكوبا في الأمم المتحدة في كفاحها لوضع حد للحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه الولايات المتحدة على هافانا منذ قرابة ستة عقود، وتكثف ذلك تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب.
وللمرة السابعة والعشرين على التوالي، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح مشروع القرار الذي قدمته الجزيرة الكاريبية بشأن الحاجة إلى وضع حد لهذا التدبير الأحادي الجانب، والذي ترك في الفترة من مارس 2017 إلى أبريل 2018 خسائر للبلاد لاكثر من أربعة مليارات دولار.
وصوتت مائة وثمانية وثمانون دولة لصالح رفع الحصار الذي تسبب في أضرار بشرية لا تعد ولا تحصى، ومرة أخرى، لم تحظى الولايات المتحدة إلا بدعم شريكها وحليفها، إسرائيل ، في حين لم يكن هناك امتناع او غياب اي دولة عن التصويت.
وفي عام 2018 ، كانت عزلة الولايات المتحدة أكثر وضوحاً، حيث انهارت محاولاتهم لتشويه الوثيقة الكوبية وعرقلتها بالكامل، مع تقديم ثمانية تعديلات على انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان في الجزيرة الكاريبية، وهي مناورة قديمة وفاشلة.
وبالأغلبية الكبيرة، تم رفض المقترحات الأمريكية واحدة تلو الآخرى، بهدف تشويه روح الوثيقة التي قدمتها كوبا والتلاعب بالرأي العام، حيث أستنكر وزير العلاقات الخارجية الكوبي برونو رودريغيز في مداخلته في الجمعية العامة قبل التصويت الذي قال: “ تتلاعب حكومة الولايات المتحدة الحالية بشكل فاجع وتسيّس الرغبة العالمية في ضمان حقوق الإنسان لجميع الناس وأهداف التنمية المستدامة في التعديلات التي قدمتها، بهدف وحيد هو غش الطبيعة وتركيز القرار ضد الحصار، الذي وافقت عليه هذه الجمعية ل 26 مرة على التوالي ... "
وقال رئيس الدبلوماسية الكوبية، إن التعديلات كانت خدعة غير شريفة من جانب الولايات المتحدة لتمديد وإغراق الجمعية من أجل مقاطعة عملية النقاش والتصويت، والتي تم تطويرها هذه المرة في غضون يومين.
وكانت هزيمة الولايات المتحدة واضحة، كما تدل على ذلك الخطابات المختلفة لممثلي الكتل الإقليمية مثل حركة بلدان عدم الانحياز والمجموعة الأفريقية ومجموعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (سيلاك) ومجموعة الـ 77 والصين، الذين اعربوا عن آسفهم لاستمرار الحفاظ على سياسة عفا عليها الزمن ومن مخلفات الحرب الباردة، ولكن أيضا انتهاكا للقانون الدولي والتي تصنف على أنها سياسة إبادة جماعية.
وأوضح ممثلي الكتل الاقليمية، أن الحصار الأمريكي يضر بجهود الدولة الكاريبية للمضي قدما في تحقيق أهداف جدول أعمال التنمية المستدامة لعام 2030.
وكان خطاب المندوب البوليفي الدائم لدى الامم المتحدة، ساشا لورينتي، حاسم عندما وصف الحصار الاقتصادي بأنه غير أخلاقي ويأثر على الصحة والتغذية والتعليم، واضاف: “ "لقد حان الوقت لكي تقوم الجمعية العام للامم المتحدة بتنفيذ القرارات التي قررتها".
ومرة أخرى، عاشت دول العالم ايام تاريخية في الأمم المتحدة ، حيث لم يكشف وزير الخارجية الكوبي فقط عن مناورات وأكاذيب الولايات المتحدة، بل أبرز العالم الطبيعة التضامنية لكوبا، التي رغم كونها دولة صغيرة ومحاصرة، تساهم في الجهود العالمية لضمان حقوق الإنسان مثل الصحة والتعليم.
وكانت هزيمة واشنطن معروفة تماما، لأنه في النقاش الرفيع المستوى الذي بدأ في شهر سبتمبر الماضي في الدورة الثالثة والسبعين للمنظمة الدولية، تبين رفض العالم لاجراء أحادي الجانب، يؤثر بطبيعته خارج الحدود الإقليمية على العلاقات بين كوبا مع الدول الأخرى.
ومع ذلك، لم تتعلم الولايات المتحدة شيئا من هزائمها، وفي تعجرفها كررت أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أنها ستحافظ على الحصار الأحادي الجانب.
في الواقع، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، "مذكرة الأمن القومي الرئاسي حول تعزيز سياسة الولايات المتحدة تجاه كوبا"، والتي تمدد القانون الذي ينظم حصار الإبادة الجماعية لسنة أخرى.
علاوة على ذلك، وبسبب طبيعة الحصار التي تتجاوز الحدود الإقليمية ، قررت العشرات من البنوك في جميع مناطق العالم، في عام 2018 ، إغلاق علاقاتها مع الشركات الكوبية أو الأجنبية، للقضاء على أي علاقة لنشاطها مع كوبا، وحتى العمليات المتعلقة بالمواطنين الكوبيين.
وجرى فرض غرامات على العديد من المؤسسات المالية لعملياتها مع كوبا، كما هو حال البنك الفرنسي Société Général S.A ، الذي قرر دفع أكثر من مليار دولار للسلطات الأمريكية بسبب انتهاكات مزعومة للحصار.
وموقف لا يتطابق بأي حال مع مشاعر غالبية الأمريكيين، قام الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل ، خلال زيارته في سبتمبر الماضي إلى نيويورك بعقد اجتماعهات مع مختلف قطاعات المجتمع الأمريكي، مثل رجال الأعمال ورالشخصيات الدينية والمثقفين والناس بشكل عام.
والواقع هو أن رفع التدبير الأحادي هو مطلب يضيف المزيد والمزيد من المؤيدين في الأراضي الأمريكية، كما يتضح على مدار العام مع الاحتفال بأيام التضامن مع كوبا وزيارات أعضاء الكونغرس الديمقراطيين والجمهوريين الى هافانا.
وكان العمل خلال سنوات طويلة للمشرعين والمزارعين ورجال العمال من الولايات المتحدة، قد توج هذه السنة من خلال موافقة مجلس الشوخ ضمن القانون الزراعي لعام 2018، بتعديل جديد بهدف دعم التبادل التجاري مع كوبا.
كما تم تسجيل عدد كبير من مؤتمرات وورشات عمل وندوات لدعم الثورة الكوبية خلال هذه الأشهر الإثني عشر في العديد من دول العالم، وخاصة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، والتي أعادت التأكيد فيها على ان الحصار الاقتصادي يضر على التنمية الكاملة للجزيرة الكاريبية.
لكن واشنطن تصر على استراتيجيتها الخاطئة، وبعد ساعات من هزيمتها الساحقة في الأمم المتحدة ، أعلن مستشار الأمن القومي للإدارة الأمريكية الحالية ، جون بولتون، عن إجراءات جديدة ضد الشعب الكوبي، وتشمل هذه، عقوبات إضافية على الشركات الكوبية، والتي لا يمكن للأمريكيين الاتصال بها.
وكانت قائمة اولية قد صُدرت ال 8 من نوفمبر 2017 وهي بنفس الهدف، كجزء من العقبات التي تعترض السفر والتجارة للولايات المتحدة مع الدولة الكاريبية.
وفي عام 2019 ، سوف يستمر الشعب الكوبي في معركته لوضع حد للحصار الاقتصادي والتجاري والمالي، الذي ما زال للأسف علامة مميزة للعلاقة مع الولايات المتحدة، على الرغم من حقيقة أن وزير الخارجية برونو رودريغيز قد صرح قائلا: “ أننا نعرب عن أستعداد كوبا من أجل التعايش السلمي، في إطار الاختلافات العميقة القائمة مع حكومة الولايات المتحدة، وذلك على أساس الاحترام المتبادل والمساواة في السيادة وفائدة الشعبين”.