descriptiva
كان خوسيه مارتي كاتبًا وسياسيًا ومفكرًا وصحفيًا وفيلسوفًا وشاعرًا كوبيًا لا يزال تراثه وصلته حتى يومنا هذا.
سلائف لا مثيل لها في الحداثة الأدبية الأمريكية اللاتينية، سرعان ما اكتشف أفكارًا وافق عليها ودافع عنها.
عُرف عن خوسيه مارتي (هافانا 1853- 1895م)، كونه شاعرًا مدهشًا ورائدًا للحداثة الشعرية في أميركا اللاتينية وبلده كوبا، وهو مؤلف ديوان إسماعيل الصغير، وديوان أشعار بسيطة، وديوان أشعار حرة، إضافة إلى رواية واحدة لم تنشر في حياته ومجموعة من المقالات وعدد هائل من المراسلات، إضافة إلى نتاج صحفي ضخم موضوعه الدائم هو الرغبة في الاستقلال والدفاع عن كوبا.
وإلى جانب كونه أكاديميًّا وصاحب مبادرات ثقافية غزيرة، عُرف عنه مثاليته وآماله الكبرى بتحرير شعوب العالم قاطبة، لكنه في المقام الأول بطل وطني ورمز استقلال كوبا.
وإذا كانت أشعاره وكتبه الأدبية قد دُرِست بكثرة، فإن أحد هذه الجوانب هو البعد العالمي لفكره ومشاعره وعمله الثوري، لم يكتب عنها كثيرًا. إن تفانيه التام في النضال من أجل تحرير كوبا وبورتوريكو يتجاوز حدود الجزر الكاريبية ووطنها الكبير في أميركا اللاتينية، مع استقلال جزر الأنتيل، فهو في الواقع كان يسعى إلى التقدم وتحرر كل شعوب العالم المضطهدة.
لقد قاتل في كوبا، لأنه ولد فيها، ولكنه في عدة مناسبات، أكد أن أهدافه الإنسانية بعيدة المدى: "علينا أن نسعى لإيجاد طريقة توازن عادلة في العالم أجمع، ليست كوبا هي التي نسعى لتحريرها فحسب".
لقد أكسبته طريقته الهدامة في الكتابة أنه بقي لمدة 16 عامًا فقط سجنه بسبب الانتماء إلى جماعات مستقلة.
تم ترحيله إلى إسبانيا، وسافر بعد ذلك حوالي ثلاث سنوات أوروبا، الفترة التي يزدهر فيها عمله. عاش في المكسيك ونيويورك.
كان أيضًا أحد مؤسسي الحزب الثوري الكوبي وشارك في تنظيم حرب الاستقلال في كوبا.
لقد ولد وعاش في عصر هو القرن التاسع عشر، وفي أزمنة متأججة، وتاريخ سيعيد تشكيل خريطة العالم أجمع، لهذا كان يشعر بدوره كاتبًا ومفكرًا لا ينفصل عن دوره مقاتلًا ومناضلًا من أجل تحرير شعبه أولًا، والتضامن مع الشعوب الأخرى التي كانت تعيش في ظرف مشابه سواء في أوربا أو أميركا اللاتينية أو الشرق الأقصى.
كان البطل والاديب الكوبي مغرمًا بتاريخ وثقافات الشعوب، ودروسها مبثوثة ومعبر عنها في أغلب كتبه الفكرية والأدبية. ولذلك فمن المنطقي أن نجد في كتاباته وخطاباته وفي مشاعره حبًّا غير نهائي للبشر أجمع، بغض النظر عن اللون أو المعتقد أو الجنسية أو العِرْق، وتضامنه مع كل أولئك الذين يقاتلون ضد التبعية والاحتلال والظلم في أي ركن من أركان الأرض.
شجع وكتب عن المقاتلين، من الشعوب الاصلية في كل أميركا اللاتينية التي أهلكها الاستغلال والإذلال والإبادة، وصولًا إلى القبائل الإفريقية ضحايا المستعمرين وتجار العبيد والإمبريالية، وفي بورتوريكو المقهورة، وعن الفيتناميين والكمبوديين والهنود، الذين كانوا يقاتلون بشجاعة ضد الظالم الأجنبي. وأيضًا عن المكسيكيين، بل حتى عن الأيرلنديين الذين كانوا يكافحون للتخلص من نير الظلم الإنجليزي، وعن البولنديين بوقوفهم ضد القمع القيصري.
لكن يبقى تذكره ودفاعه وكتابته عن العرب من أهم وأوسع ما تطرق له مارتي في كتاباته سواء تلك الصحفية والسياسية والفكرية أو الأدبية. كان العرب من بين الشعوب التي حظيت بأنشط تعاطفه ودفاعه عن تاريخها الماضي والمعاصر.
عندما لم يكن مارتي قد بلغ من العمر 16 عامًا، كتب أول دراما مسرحية شعرية له بعنوان "عبدالله" التي رمز فيها إلى كوبا المناضلة ضد الاستعمار الإسباني عبر الإشارة لأرض عربية، وهي النوبة في مقاومتها للغازي. شخصيات المسرحية الشعرية، وبخاصة بطل العمل والأحداث كلها من نَسْج خيال مارتي. لكنها أحداث قد أثرت فيها قراءاته الأولى للحضارة الفرعونية وتاريخ العرب الأوائل.
وهو هنا وإن كان يستخدم كثيرًا من الإشارات المطروقة في أعمال تلك الحقبة عن التضحية والدفاع عن الأرض والشهادة وقيمتها والمجد المستمد من الدفاع عن المبادئ الإنسانية، فإن المسرحية تبقى عملًا فريدًا لشاب في مطلع حياته الأدبية، علاوة على سماتها وملامحها الشعرية الأولى التي ستنمو وتنضج في كتبه التالية كما عليه في ديوانيه المهمين: إسماعيل الصغير، وأشعار بسيطة.
والحال أن أم عبدالله في مسرحية خوسيه مارتي تجسد الواقعة تمامًا. تعكس هذه المسرحية العديد من الأفكار التي كان يعتقد بها خوسيه مارتي وكذلك عن أحلامه ومثله العليا، والتي ستدخله في فكرة قراره القتالي حتى الموت ضد الهيمنة الإسبانية وتحرير بلاده كوبا.
ولدى مارتي الأسباب كافية لاستحضار وتكريم العِرْق العربي ومعاناته الإنسانية في عموم الكرة الأرضية، وفي إحدى جُمَله الشهيرة عن العرب يقول: "إنهم أولئك الذين يتسمون بالرشاقة، مخلوقات ساحرة، ومن أكثر الناس نبلًا وأناقة على وجه الأرض".