صادقت جمهورية كوبا في منظمة الأمم المتحدة على الالتزام مع اتفاقية باريس، وهو اتفاق عالمي يسعى للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، حيث يدعم هذه الاتفاقية أغلبية الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، والتي تضع تدابير للحد من الانبعاثات للغازات المسببة للاحتباس الحراري وتفادي ارتفاع درجة الحرارة.
لا تتطلب مواجهة تغير المناخ، أحد أكبر التحديات التي تواجه العالم اليوم، مبادرات طموحة فحسب بل وعلى نحو أكثر أهمية، بذل المزيد من الجهود المتناغمة من المجتمع الدولي بأسره.
إن اندلاع حرائق الغابات بشكل أكثر تكرارا وتسارع ارتفاع مستوى سطح البحر والفيضانات الساحلية المتزايدة وموجات الحرارة الطويلة والأكثر شدة، كلها مخاطر تنبه الشعوب والحكومات لحقيقة أن الاحترار العالمي أصبح تهديدا أساسيا لاقتصادات دول العالم ومصالحها.
واعترافا بذلك، قضى زعماء أكثر من مائة دولة أسبوعين في باريس في ديسمبر/كانون الأول 2015، وتوصلوا لاتفاق نهائي تاريخي بشأن تغير المناخ، يتضمن جهودا عالمية موحدة لتقليل انبعاثات الغازات الحابسة للحرارة وتخفيف آثار الاحتباس الحراري بدءا من عام 2020.
ولكن للأسف بالنسبة للجميع تقريبا، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الخميس الموافق الأول من يونيو/حزيران أن بلاده ستنسحب من اتفاق باريس للمناخ ألذي يعتبره كثيرون "أفضل فرصة لدينا لإنقاذ الكوكب".
لاقى قرار ترامب معارضة قوية ليس فقط على الساحة العالمية وإنما داخل بلاده. ويرى مراقبون سياسيون أن تصريح ترامب ليس بمفاجأة.
إن بيان ترامب رفض واضح جدا لاتفاقية باريس وللجهود الدولية لتمويل تخفيف آثار التغير المناخي والتأقلم معها في الدول الفقيرة.
وهو أسوأ بكثير من عدة نواحي مما توقعه الكثيرون، فهو يرى الاتفاقية بوصفها قاتلة للأعمال وخطوة مخادعة خانقة للاقتصاد الأمريكي وغير عادلة تماما، من دول تحاول الاستفادة منها على حساب الولايات المتحدة.
لقد تحدث ترامب عن أنه منفتح لإعادة التفاوض بشأن الاتفاقية أو بناء اتفاقية جديدة، بيد أن فكرة "إعادة التفاوض" سيناريو غير مرجح.
بدا مستوى معارضة ترامب للاتفاقية التي ترى أنها "إعادة توزيع كبيرة للثروة الأمريكية لدول أخرى" مؤشرا واضحا على تبنيه الكامل لنزعة اقتصادية قومية ولمنظور منكري آثار التغير المناخي.
وستظل قضية "عدم الإنصاف" تبرز إلى الواجهة مرة بعد أخرى، فضلا عن كيف أن الاتفاق لا يفرض "إلزامات مهمة" على أكبر مسببي التلوث في العالم: الصين والهند.
ويلعب محتوى خطاب ترامب ولهجته العامة على هذه النزعة الشعبوية الى أقصاها، ولكنه كان تنصلا واضحا عن نزعة التعددية لا سيما في مجال التغير المناخي، وسيدفع بالتأكيد دولا أخرى إلى أن تتعاون بشكل أكثر قربا في هذه القضية.
مما لا شك فيه أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من اتفاقية باريس سيعقد جهود العالم في تحقيق الأهداف التي وضعها لنفسه بموجب الاتفاقية المذكورة، والتي تتلخص في تجنيب ارتفاع درجات الحرارة بأكثر من درجتين مئويتين.
فالولايات المتحدة مسؤولة عن 15 في المائة من مجموع الانبعاثات الكربونية عالميا، ولكنها أيضا مصدر رئيسي للتمويل والتكنولوجيا التي تعتمد عليها الدول النامية في محاربة ارتفاع درجات الحرارة.
كما هناك موضوع القيادة الأخلاقية التي قررت الولايات المتحدة التخلي عنها. سيكون لذلك عواقب للجهود الدبلوماسية الأمريكية الأخرى التي لا علاقة لها بالمناخ.
تعهد ترامب الذي وصف تغير المناخ بالخدعة أثناء حملته الانتخابية، بالانسحاب من اتفاق باريس وإلغاء سياسات مناخية مختلفة اتخذتها إدارة سلفه أوباما من أجل إحياء صناعة الفحم الواهنة وتوفير المزيد من فرص العمل في الولايات المتحدة.
ومن الواضح أن ما كان يحمله الرئيس في ذهنه، وهو يصنع قراره بالانسحاب من الاتفاق للوفاء بوعود حملته، هو سياسات بلاده الداخلية والمنافع الاقتصادية قصيرة المدى بدلا من النظر للصورة الكلية لمصالح العالم وخير شعوبه على المدى الطويل.
وفي الحقيقة، فإن واجب الولايات المتحدة الملزم هو تعزيز الجهود العالمية في مواجهة تغير المناخ وحماية البيئة لأنها مسؤولة تاريخيا عن الانبعاثات أكثر من أي دولة أخرى.
وأشار ديفيد فيكتور الباحث في سياسات المناخ بجامعة كاليفورنيا فى سان دييجو "من حيث القيمة التراكمية، نتسبب (الولايات المتحدة) في هذه المشكلة (تغير المناخ) أكثر من دولة أخرى".
وذلك، في نظر العديد من الناس، يُلزم الولايات المتحدة باتخاذ خطوة ملموسة وطموحة لإبطاء الاحتباس الحراري. ويوضح ذلك سبب اعتبار قرار ترامب على نطاق واسع عمليا وسياسيا، نكسة خطيرة في جهود مواجهة تغير المناخ.
ولكن فيما وراء تلك الانفعالات والصدمة التي أثارها قرار ترامب، فإن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق لن يثير الشك فى الديناميكية العالمية القائمة لمواجهة تغير المناخ، نظرا لأن الاتجاه العام والقوة الدافعة لا يمكن عكسهما.
ومنذ توقيع اتفاق باريس في 2015، وقع أكثر من 190 دولة الاتفاق منها 146 دولة صدقت عليه.
وأكد العديد من القوى الكبرى الأخرى في هذا المجال ومنها الاتحاد الأوروبي والصين والهند، على رغبتها في تعزيز الجهود.
حتى داخل الولايات المتحدة، قالت العديد من حكومات الولايات وحكومات المدن والشركات إنها ستواصل مسيرتها لتقليل انبعاثات الغازات الحابسة للحرارة رغم قرار الرئيس.
وفي عالم اليوم، انتبهت الدول والشركات لحقيقة أنه من مصلحتها الخاصة الحد من انبعاثات الكربون. وأدركوا أنه بعيدا عن تدميره للاقتصاد، فإن اتخاذ خطوة محلية لمواجهة تغير المناخ سيحقق منافع حقيقية لتوفير فرص العمل وتقليل الفقر والحد من التلوث. ونظرا لتضرر دول العالم أجمع من آثار الاحتباس الحراري، فقد لمست بأيديها أن مواجهة تغير المناخ سيكون له عواقب حقيقية ودائمة.
إن تغير المناخ تحديا عالميا لا تقدر دولة منفردة على مواجهته. كما أن اتفاق باريس نتيجة صعبة المنال تمثل أوسع توافق ورغبة سياسية قوية للمجتمع الدولي وتحدد هدفا لإطلاق حملة عالمية ضد تغير المناخ.
إن دول العالم، كبيرة كانت أو صغيرة، غنية أو فقيرة، بحاجة للعمل معا لحل المشكلة من أجل بناء عالم أفضل للأجيال المستقبلية. وبدلا من الانسحاب من اتفاق المناخ، تحتاج الولايات المتحدة إلى الانضمام إلى الجهود المتناغمة من أجل مصالحها الخاصة بالإضافة للمنافع طويلة الأجل للعالم أجمع.